بعد عودتك من سفر إلى (فلسطين) من عدسة فيلم الأستاذ، ستترسب في ذهنك إطارات جميلة بصرياً ومشاهد قاسية نفسياً، لتجيش مشاعر الحزن والذنب والغضب والحسرة والأمل، الفيلم سيتأثر به كل من يشاهده، وحساسية الطرح يجب ألا تجعلك متخوفاً من التأثر والتفاعل، فهو ليس سيمفونية بكائية، بل قصة حقيقية إنسانية تحركها شخصيات متعددة الأبعاد تتوق للحياة، حتى إنك ستجد نفسك تضحك، وتبكي وتتفاعل بكامل طاقتك. جلست مخرجة فيلم الأستاذ فرح النابلسي مع إسكواير السعودية لتتحدث عن كواليس إنتاج الفيلم وعقباته ورسالته المهمة.

“لست مهتمة بتحوير حقيقة قصتي لأي سبب كان وتحت أي ضغوط، لذلك سردت القصة كما أريد بلا تنازل، لست مهتمة بصناعة فيلم يقنّع الواقع، ويحكي قصة لا تعكس حقيقة ما يدور على أرض فلسطين”
فرح النابلسي
بعد إنتهائك من مشاهدة فيلم الاستاذ وعودتك من (لفلسطين) ستترسب في ذهنك إطارات جميلة بصرياً ومشاهد قاسية نفسياً، بعد ان تجيشت مشاعر الحزن والامل ، الفيلم يطرح موضوع حساس بالنهج الصحيح المحاكي للواقع بشفافية وإبداع، فهو ليس سيمفونية بكائية، بل قصة إنسانية حقيقية تحركها شخصيات متعددة الأبعاد تتوق للحياة، جلست مخرجة فيلم الأستاذ فرح النابلسي مع إسكواير السعودية لتتحدث عن كواليس إنتاج الفيلم وعقباته ورسالته المهمة.

الفيلم عبارة عن تجربة سينمائية متكاملة نُظمت بلغة بصرية صادقة، تتحدث عن موضوع حساس ومحوري خاصة في الوقت الراهن، السرد درامي متزن لا تطغى فيها الدراما على الحقيقة، بل تُستمد منها، بالإضافة لتصويره لمختلف ضروب المعاناة المتراكمة التي يمر بها الفلسطيني في كل يوم تحت وطأة مطرقة الاحتلال الإسرائيلي لعقود طويلة، خلال الإطار المعاصر يمكنك من لمس الإنسانية المترسخة داخل الشخصيات، ولن تمل من سردية الأحداث التي لا تخلو من التشويق الذكي غير المتقاعص عند تناوله للواقع الفج،
قصة الفيلم تتمحور الاحداثة وتنطلق من شخصية باسم، والذي يجسده الفنان صالح بكري، أستاذ فلسطيني يكافح للتعامل مع تجربة شخصية بعد حادث مؤلم وقع لإبنه وحرمه منه ، الامر الذي يدفعه لسلك طريق مختلف لمقاومة العدو في خضم صراعه الداخلي المليئ بالذنب والحسرة، تتابع الاحداث لتأخذ حياته منعطفات غير متوقعة، يخرج منها بمصير مختلف عما كان يتخيله.
الواقعية تقفز من الشاشة
فرح النابلسي تستمد الواقعية التي ضربت وتر التعاطف الإنساني للمشاهد، من تجاربها الشخصية التي خاضتها خلال زياراتها للأراضي الفلسطينية المحتلة وضروب المعاناة التي عايشتها وجها لوجه خلال تواجدها هناك، بجانب والقصص التي رويت لها أو شاهدتها بعينيها، توعز فرح هذه الواقعية إلى عدة جوانب مكنتها من فهم الحالة وترجمتها على الشاشة بطابع يفهمه أي مشاهد

” في المقام الأول هي جذوري وهويتي حيث إن دمي فلسطيني، وإن ولدت ونشأت في بريطانيا، والعامل الأهم من ذلك هي زياراتي لفلسطين المحتلة التي جعلتني أشاهد واقع الأراضي المحتلة، المكان الذي تُمْحَى سكانيته بشكل ممنهج عبر بناء المستوطنات وفرض نظام الفصل العنصري على أهله والتنكيل بهم في كل جوانب حياتهم، كل هذا الظلم والقهر الذي عايشته وسمعته أثقل على كاهلي وبل خاصة، وأن مررت بتجارب، فكنت أنا شخصياً الضحية التي تُقْهَر، كل ذلك مكنني من دراسة والفهم المباشر لحياة الفلسطينيين القابعين تحت بتقية المحتل، هذا هو منبع الواقعية في الفيلم الذي يتعدى تعاطفي وفهمي للوضع بهويتي الفلسطينية، بل يأخذ طابع إنساني عام يصل لأي شخص.
لا تسرد ما لا تفقه
“”إذا أردت ان تصنع فيلم تخيلي، لكن متجذر من الواقع مثل الأستاذ، عليك أن تكون متصلاً على نحو مباشر مع حيثيات ذلك الواقع بكل أبعاده النفسية والفلسفية والمادية الروتينية، وإن لم تفعل فلن تظهر تلك الروح الحية الخام التي تريد ترجمتها على الشاشة، بالطبع لن يستطيع اي من كان أن يعكس الواقع بشكل تام عبر تجارب مؤقتة، مقارنةً مع أهل الأرض الذي يحتم عليهم مصير العيش في ظل هذه الظروف من المهد إلى اللحد، لكن يمكنك محاكاة الصورة الحقيقية عبر غمر نفسك داخل هذا العالم
فرح النابلسي

كيف تستطيعين الحفاظ على الرتم المتوازن للسرد والتجسيد المحترف بلا الغرق في المشاعر خاصة وإنك فلسطينية؟
الأرضية السياسية والاجتماعية مهمة، ولكنها مألوفة لدى المشاهد، لذلك ركزت خلال الفيلم على الشخصيات وتراكيبها الإنسانية ومسارها العاطفي وخلفياتها الحياتية في القصة، وإن كانت تعكس حياة الكثير من يعيشون تحت وطأة الاحتلال، وعند التعاطي بهذا الشكل، فإن الصورة الأكبر المليئة بالظلم والسواد لن تلتهم الشخصيات بشكل لا يخدم القصة، وذلك يرجع إلى اهتمامي بالإنسان وتجربته أكثر من محيطه السياسي الذي أفهمه جيداً.
فرح النابلسي
حيثيات قرار التصوير داخل الأراضي المحتلة
عند مشاهدة المشهد الافتتاحي الذي يصور طبيعة فلسطين الخضراء الجميلة، يتبادر للذهن تساؤل عن مدى الصعاب التي أحاطت بتصوير الفيلم خاصة وأنه من الأفلام الفلسطينية القليلة أُنْتِجَت من الداخل المحتل، هو قرار صعب، ولكنه الخيار الصحيح الذي بث الحياة في الصورة السينمائية، وأضفى تباين عميق بصرياً ينتقل بين جمالية هضاب فلسطين الخضراء في مقابل بشاعة الجدار الفاصل وركام البيوت المهدمة والحواجز الموحشة

” في مرحلة ما قبل الإنتاج كانت تراودني شكوك حول اختياري لموقع التصوير، خاصة بعد حديثي مع منتجين آخرين، حيث أن المتعارف عليه في صناعة الافلام المستقلة هو اختيار الطريق الأكثر سلاسة وسهولة للتصوير، اُقْتُرِح على التصوير في الأردن او قبرص كما هو الحال في الكثير من الأفلام الفلسطينية، ولكني لم أفعل، مع وعيي بالعقبات التي ستحيط بالتصوير، خاصة وان الأفلام المستقلة مليئة بالصعاب اللوجتسية والبرغماتية والتمويلية بشكل عام،
ولكني كنت متيقنة من الأهمية المحورية لهذه الخطوة، اولا لأني أستطيع وأريد أن أسافر بالكثير من الفلسطينيين الى أراضيهم التي لا يمكنهم العودة إليها وثانياً لإعطاء فرصة للكوادر المحلية من الممثلين الموهوبين الذي لا يمتلكون الفرص بسبب الظلم والقسوة التي يعيشونها، بالإضافة أن تضاريس الأرض وطبيعتها الخلابة لا يمكن استنساخها، ولا أملك الميزانة لمحاولة فعل ذلك،
فرح النابلسي

التصوير المحفوف بالصعاب
“واجهنا العقبات التي يعيشها الفلسطيني كل يوم، من نقاط تفتيش مهينة وقطع الطرق الذي أخر عودة الطاقم إلى مواقع التصوير وصعوبة استخراج التراخيص؛ مما أدى إلى إلغاء أيام مجدولة للتصوير، تلك كوابيس لوجستية تستنفذ الميزانية المحدودة في الأصل، ولكن دون ريب أقسى ما واجهناه خلال التصوير هو الثقل العاطفي والنفسي المستنفذ للطاقة بفعل التنكيل والتعديات المحيطة بنا.
تحكي فرح بعض من المواقف التي عاشتها خلال تصوير الفيلم في الاراضي المحتلة
بعد انتهائنا من تصوير مشهد في محل كنافة مشهور في قلب مدينة نابلس الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، بعد ساعات، يقتحم الاحتلال المدينة ليفجر منزلاً بجانب مكان التصوير، ومن الصور الأكثر شدة هي حرق المستوطنين لمزارع الزيتون في قرية بورين ( القرية التي تجري فيها أحداث الفيلم) التي كنا نصور حولها، وصُوِّر مشهد إشعال النيران في شجر الزيتون قبل يومين فقط من الحرق الفعلي على يد المستوطنين بحماية الاحتلال،
كان شعور غريب وثقيل أن تصور مشاهد عن معاناة وعنف وقتل مازلت تحدث على نحو متزامن على أرض الواقع، كان هناك صراع في نفسي، من جانب يدفعني للإصرار على إيصال الحقيقة للعالم والاستمرار. وعلى الجانب الآخر كنت أحاول المحافظة على الروح الإيجابية لاستكمال الإنتاج مع الحفاظ على سلامة طاقم العمل، وعند اقترابنا من نهاية التصوير بدأ الاحتلال بإلقاء القنابل والصواريخ على غزة في أغسطس 2022.
فرح النابلسي

هل تصوير الفيلم للحقيقة بكل جوانبها القاسية قد يكون سبباً في عدم إعطائه الإشادة التي يستحقها عالمياً، وقد يقيد توزيعه وإنتشاره على نطاق واسع ؟
قد يكون ذلك صحيحاً، لكن لم يمنعني من المضي في تحقيق الرؤية التي وضعتها للفيلم وأنا فخورة بالنتيجة النهائية، كنت أعلم أني أعرض موضوع حساس قد لا يستسيغه أو يتقبله من لا يمتلك التعاطف بالقضية يجهلها، وكنت أشعر بتلك الروح المعادية والمتحاملة على الحقيقة في محيط صناعة الأفلام السينمائية من الموزعين وغيرهم، خاصة قبل شهرين (أي قبل بدء القصف المتوحش على غزة)، وتزال هي الروح المقيِّدة موجودة،
ورأيناها في فقدان بعض الأشخاص لوظائفهم لمجرد مناداتهم بوقف إطلاق النار، الأمر الذي سيصعب عملي، ولكن هناك أيضا من أصحاب النوايا الحسنة والمتضامنين، والذي اتسعت رقعة استيعابهم للقضية، والذين يتحدثون وينشرون الوعي عبر مواقع التواصل، هم يمثلون أرضية جماهيرية كبيرة لهذا الفيلم، لمست ذلك عبر ردود الأفعال الإيجابية المرحبة والمتفاعلة الجميلة في مهرجان تورونتو، ذلك بعث الأمل في داخلي، ويؤكد في قرارة نفسي صحة الخيار الذي اتخذته في المحافظة على سرد الحقيقة بكماليتها.

ما الذي تريدي ان يخرج به كل من يشاهد هذا الفيلم؟
أريد أن يخرج المشاهد من الفيلم باستيعاب للواقع والمعاناة التي دفعت الشخصيات لاتخاذ قراراتها ، وان يخوض في نقاشات حول احداثه خارج دور العرض و يستمر بالتفكير بمجريات احداثه لساعات او ايام لاحقة ذلك يمثل لي النجاح كصانعة افلام.

شخصية الأستاذ: طاقة أبوية وإصرار في مواجهة المحتل
شخصية يعتلج بداخلها ألم الفقدان والغضب المكنون الذي يحوله إلى ثبات وقناعة بحتمية المقاومة المدروسة والفعالة، الأستاذ روحه فلسطينية أصيلة لا تقبل الانهزام والقبول بالأمر الواقع، صالح بكري الحائز على أفضل ممثل في مهرجان البحر الأحمر، والذي تمكن من قيادة القصة بتعوجاتها في الواقع الفلسطيني بشكل مذهل، يعلق في ذهني الكثير من مشاهد صالح أبرزها حواره القوي مع الدبلوماسي الأمريكي اب الجندي المخطوف، الذي من شأنه أن يحرك مشاعر اي مشاهد، وأظن أن بجانب لعلاقته الأبوية مع الأخوين الذي يريد لهم خوض طريق قد يخرجهم مآسي واقعهم، بعد أن تذر حياته للمقومة بطريقته وإمكانياته،
الفيلم يحاكي موجة الأمل التي نعيشها حالياً عندما نفكر بفلسطين، فهي ليست مجرد تصوير لواقع سوداوي، بل يبعث رسالة مفادها أن المقاومة المنظمة هي السبيل الوحيد للحرية بطريقها المليء بالأشواك
قد يهمكم الإطلاع على أفضل الأفلام الفلسطينية، تجسيد سينمائي للواقع الفلسطيني، إحتلال وشتات ومقاومة
