قدم مهرجان البحر الاحمر السينمائي الدولي فيلم ناقة التجربة السينمائية المليئة بالرعب والتشويق الغير مبتذل، بعنف حقيقي وممتع وتقاطعات كوميدية بنفس لا تُخرج المشاهد من تتابعات احداث القصة، المخرج يقدم نمط افلام فني مستوحى من فلسفة تعتمد على الجرأة الابداعية في الاطارات السينمائية بلا تعقيد في اطار القصة العام، لتظهر على الشاشة دمغة فريدة في مشهد صناعة السينما السعودية، المستنظر له انتشار جماهيري محلي وعالمي عبر عرضه على نتفليكس، لتكون بداية فصل جديد.
جلس طاقم عمل فيلم ناقة مع إسكواير السعودية ليحدثونا عن هذه التجربة :
صانع فيلم ناقة (الكاتب والمخرج) هو أحد الذين عملوا على تكوين هويتهم السينمائية التي مازالت في خضم التشكل، يعتمد مشعل على استقاء مكونات القصص وإطار السرد من تراكمية نفسية وثقافية أصيلة، معتمداً على أدوات احترافية تمخضت عن تجربة ودراسة معمقة مدفوعة بهوس التفاصيل، بجانب الاطلاع والانغماس في مختلف مدارس الإخراج السينمائي،
لا بد أن تقطف ثمرات الجهد ولو بعد حين، من كان يتابع بدايات مشعل الجاسر منذ فيديوهاته الأولى على اليوتيوب التي قدمها في (فليم)، يرى محاولات وتجارب تُعجب، وتَجذب العموم من المشاهدين حينها، وذلك لاختلافه عن محيطه في الإخراج ، ولكن لم تكن تلك المقاطع او الأفلام القصيرة التي دفعت نحوه بسيل من الإشادات النقدية وجوائز المهرجانات المرموقة، إلا محطات على طريق الوصول إلى فيلم ناقة أول أفلامه الطويل التي أخذت طابعاً تشويقي تقوده عقبات وشخصيات، والتي أبهرت الحضور بعرضه الشرق أوسطي الأول، في مهرجان البحر الأحمر بعد أن تجول الفيلم بنجاح في أرقى المهرجانات العالمية.
المشهد الافتتاحي للفيلم بمفاجأته وتأثيرات الزوايا الكوبريكية و أفلام الويسترين الغربية التي تشكل لغة بصرية و أسلوب تعاطي فني متمرد بتوازن على السرد المألوف، الذي تتبعه الافلام الاخرى،
“عند مشاهدتك للفيلم ، فتلاحظ بأن لحظات العنف داخل الصورة تأخذ طابعاً كلاسيكياً (العنف الممتع)، ليس هناك نهج إخراجي معين اعتمده كمصدر للإلهام خلال وضعي للقطات، ولكن بالمجمل يعجبني أسلوب ثلاثة مخرجين أتمنى بأن أصل إلى مستواهم، هم يورجوس لاتيموس وصاحب الأعمال الفريدة آري استر، ومخرج رائعة أولد بوي الكوري بارك تشون ووك، هم مخرجون استطاعوا أن يصنعوا أفلاماً ناجحة تجارياً وغنية فنياً وأصيلة إبداعياً”
مشعل الجاسر
التحول من الأفلام القصيرة النوعية إلى الأفلام الروائية الطويلة، هي عملية انتقالية بين عالمين مختلفين بعض الشيء، وإن كان النمط الأول قد يكون في كثير من الأحيان مرحلة تمهيدية للدخول إلى الثاني الذي ليس بالضرورة أن يكون ذات طابع تجاري بالمعنى السلبي،
“أن تخرج فيلم طويلاً، فأنت تتحمل مسؤولية تتسم بعواقب كبيرة، فهناك مستثمرون يجب أن تقنعهم وميزانية يجب تديرها، على نقيض الأفلام القصيرة النوعية التي تستطيع أن لا توفق بها، وتعيد الكرّة مرة تلو الأخرى، بجانب اختلاف في إطار السردية الطويلة الذي تحتاج إلى اختيارات فنية تضمن الرتم المتتابع، منذ بداياتي الأولى، وأنا أطمح لإخراج فيلم روائي طويل، ولم أقدم على هذه النقلة المحورية إلا بعد الاستعداد الذي امتد لتسع سنوات، تدربت خلالها على الإخراج بتواجدي في مواقع التصوير الاحترافية بجانب حصولي على بكالوريوس في كتابة السيناريو من لوس أنجلوس”
مشعل الجاسر
فيلم ذو سردية وخط أحداث سلس
قصة فيلم ناقة قد تظهر لبعض المشاهدين بأنها معقدة لأول وهلة، لكنها بسيطة الهيكلية من جانب رحلة البطلة التي تمر بها سارة على طول القصة بصرعاتها ومفاجآتها، بجانب بحيث أن كل حدث وتطور يقع عليها بالوقت والبيئة الصحيحة، التوازن المراد هو أن يألف المشاهد على الإطار حتى يستطيع تتبعه، ولكن لا يستطيع توقع الأحداث.
قصة الفيلم
الفيلم يحكي قصة سارة التي تأتي من خلفية عائلية محافظة تنقطّعت بها السبل في غياهب الصحراء التي دخلتها لحضور حفلة سرية ذات طابع وشخصيات مثيرة، مع تتابع الاحداث وتحولاتها تضطر الفتاة الشابة إلى مواجهة حقد ناقة، حتى تتمكن من العودة إلى المنزل في الوقت المحدد بنهاية غير متوقعة تحمل جمالية سينمائية نجعل المشاهد بتنازل عن توقعاته وإستنتاجاته الاولية للقصة.
أضواء بدر، أداء صادق
كانت شخصية سارة التي جسدتها اضواى بتمكن وإستطاعت عبرها إحياء مشاعرها وانفعالاتها بصورة صادقة ترجمتها الكاميرا بواقعية بعيدة عن المبالغة، النتيجة الذي تمخض بفعل موهبتها في المقام الأول ثم بتوجيه مشعل الجاسر، الذي حرص على كتابة الشخصيات بشكل مركب متعدد الأبعاد لا تحصر تحت دائرة الخير او الشر، حتى يبتعد بقدر الإمكان عن وحل الابتذال وهو الأمر الذي دفعه لاستخدام ممثلين مبتدأين، حتى يعطي أصالة وعفوية يلمسها المشاهد وتجهيزهم عبر بروفات مطولة، توعز أضواء أدائها الذي لاقى قبول أغلبية جمهور العرض الأول في مهرجان البحر الأحمر الدولي، لعدة أمور “نصائح وتوجيهات مشعل كان له دور كبير بجانب البروفات المتكررة، ونقاشاتنا عن الشخصية التي مكنتنا من دمج وجهات نظرنا في تكوينها وتأسيس وجذورها”
المبالغة بركة يسقط فيها الكثير من الممثلين بفعل انعدام الموهبة أو عبر إكتساب أساليب تمثيل تلفزيونية غابرة، لكن بالنسبة لأضوى كان عامل خبرتها المتواضعة له وقع إيجابي، حيث تبنت واتبعت مدارس التمثيل المعاصرة بلا تكبيل
“عندما عرض مشعل على الدور، بدأت بالبحث ودخلت اليوتيوب لأتعرف على أساليب الأداء والمدارس التي يتبعها الممثلون العالميون المفضلون بالنسبة لي، بجانب خلفيتي بكتابة وإلقاء الشعر التي كانت عنصر فاعل في تهيئتي للتعبير بأريحية عن مشاعر الشخصية”
أضواء بدر
يزيد المجيول، شخصية عفوية بعضلة كوميدية
خاصة عبر شخصية ( يزيد المجيول) الذي تبين لي في أثناء اللقاء بأنه شخصيته الحقيقية لا تختلف في أسلوب الحديث ولغة الجسد والطبيعة العفوية التي تشكلت من بيئته ومحيطه في مدينة شقرا عن شخصيته في الفيلم
“أنا شخص معتاد على الحديث والتفاعل بعفوية أمام الكاميرا لتواجدي على السوشيال ميديا قبل ذلك، ومحيط المخيمات والاستراحات التي كنت أذهب إليها بشكل يومي أنا وأصدقائي (وهي أجواء تتناسق مع أحداث الفيلم بلا حرق للقصة)، وكانت البروفات المطولة والمتكررة بقيادة مشعل بالنسبة لنا هي عملية تعليمية على الاحترافية في المجال، أكثر من أي شيء آخر، وتلك المرحلة السابقة للإنتاج هي التي جهزتنا للتصوير، هذه الفترة اعتبرها مساق مكثفاً في التمثيل”
يزيد المجيول
بعد ذكر سيارة الكابرس التي وُجدت في الكثير من مشاهد الفيلم، والتي كان يقودها يزيد علق بعفوية مازحا:
“طلبت من مشعل بعد الانتهاء من التصوير كاحتفالية أن نشب النار في الكابرس”
مع الكم الهائل من إشادات نقاد المهرجانات والصنّاع، بجانب النجاح الجماهيري القادم الذي يلوح في الأفق، بعد أن يعرض الفيلم على منصة نيتفلكس اليوم السابع من ديسمبر 2023، لايزال يعمل مشعل على الهوية والنمط الإخراجي الذي ينشده في أفلامه، النمط بدأت تظهر ملامحه بواقعية في ناقة “ليس كل ما انتهى داخل الفيلم كان هو الذي خططت له حيث واجهتني مشاكل في الميزانية جعلتني أختصر وألغي بعض الأمور المتعلقة في الإخراج الذي أريده كمثل التصوير بالكاميرا المحمولة باليد، أنا ما زلت أتعلم مع التجارب التي ستطور أسلوبي في السرد حتى أصل إلى المراد” مشعل
هل فيلم ناقة هو أسلوب السرد الصوري الذي ستستمر على نهجه؟
نسبة الخيارات التي إنتهت في الفيلم تعادل 30 بالمئة سأستمر عليها والباقي سيتغير في أفلامي القادمة، لكني سعيد بالمخرج النهائي.
مشعل الجاسر.
على الجميع مشاهدة الفيلم على نيتفلكس لكي تتأسس في ذهنية الجمهور ملامح أفلام الجاسر ، بجانب ان الفيلم رحلة سينمائية متكاملة الأركان التي تضفي متعة وتشويق لا ينسى من الالوان الى حركات الكاميرا الى القصة والشخصيات.
قد يهمكم الاطلاع على أهم الأفلام العربية في سباق جوائز الاوسكار 2024، قصص تمخضت من الواقع المعقد