التقيت بيانيك سينر في فندق في مونت كارلو. كان اليوم غائمًا وعاصفًا. ظهر وهو يرتدي زي التنس، بدا عليه نوع من الخجل، ربما، لكنه كان سريع البديهة. قلت له إنه يبدو أطول مما كان عليه آخر مرة التقينا فيها. فأجاب: “أو ربما أنت، مع تقدمك في السن، أصبحت أقصر”.
على معصمه كان يرتدي ساعة Rolex GMT-Master II، بإطار بني وأسود. قام بإزالتها ليتيح لي رؤية النقش على الجهة الخلفية، الذي يحتفل بأول فوز له في البطولات الكبرى، في بطولة أستراليا المفتوحة في يناير من هذا العام، حيث هزم دانييل مدفيديف في النهائي. وقال: “هكذا بدأت أفضل سنة في حياتي”.
سينر يبلغ من العمر 23 عامًا. ومنذ 10 يونيو، أصبح المصنف أوّل عالميًا في تصنيف رابطة التنس للمحترفين، ليكون أول إيطالي يحصل على هذا المركز. كما أنه أول إيطالي يفوز ببطولتين من البطولات الكبرى في نفس الموسم، بعد أن فاز ببطولة الولايات المتحدة المفتوحة في سبتمبر.
ما زال في ريعان شبابه، لكن صعوده إلى القمة كان طويلًا. نشأ في سيستو بوستيريا، وهي قرية على الحدود بين إيطاليا والنمسا. في المنزل، يتحدث والداه، سيغليندي وهانسبتر، اللغة الألمانية. وعندما ترك سينر عائلته في سن الرابعة عشرة للذهاب إلى أكاديمية تنس في بوردغيرا، بالقرب من الحدود الفرنسية — على بُعد أكثر من 400 ميل من منزله — كان لا يتحدث الإيطالية بشكل جيد.
الآن، أصبح جانيك سينر حديث إيطاليا — حيث ارتفعت أعداد الملتحقين بأكاديميات التنس بشكل كبير — وأبعد من ذلك. شعره الأحمر المميز وقامته الطويلة؛ تركيزه على الصحة النفسية بدلاً من الانتصار بأي ثمن؛ ومعجبوه، الذين يُطلق عليهم “أولاد الجزر” والذين يُشاهدون كثيرًا بجانب الملعب، جميعهم يساهمون في جعل سينر عكس لاعب التنس الذي يتصرف كروبوت يسعى فقط لإطلاق الكرات. ومن السهل أن نفهم لماذا اختارته رولكس ليكون سفيرًا لها.
يقول: “إنه مصدر فخر كبير بالنسبة لي. من المهم بالنسبة لي أن أعمل مع أشخاص أنيقين يحافظون على معايير سلوك عالية.”
وفي الوقت نفسه، تتحدث النتائج عن نفسها. بالإضافة إلى فوزه ببطولة أستراليا المفتوحة وبطولة الولايات المتحدة المفتوحة، حقق سينر هذا العام أيضًا انتصارات في روتردام وميامي وهالي وسينسيناتي، محققًا أكثر من 11 مليون يورو (حوالي 9 مليون جنيه إسترليني) من الجوائز.
ومع ذلك، كان هذا أيضًا عامًا مليئًا بالإحباطات الكبيرة. ففي شهر مايو، أجبرته إصابة في الورك على الانسحاب من دورة مدريد المفتوحة. كما غاب عن بطولة روما. وتعرّض للهزيمة — على يد كارلوس ألكاراز في نصف نهائي رولان جاروس، وفي ربع النهائي في ويمبلدون على يد دانييل مدفيديف. كما غاب عن أولمبياد باريس بسبب التهاب اللوزتين.
ولكن الأهم من ذلك، أنه اضطر للتعامل مع الشكوك المتعلقة بتعاطي المنشطات. ففي العاشر من مارس، في إنديان ويلز بكاليفورنيا، وأيضًا في الثامن عشر من مارس، تم اكتشاف وجود آثار لأقل من مليار جزء من الجرام من المنشط المحظور كلوتوبيول.
تم تعليق مشاركة يانيك سينر في منافسات التنس، في البداية لمدة يومين — 4 و5 أبريل — قبل أن يتم إلغاء تعليق العقوبة بعد الاستئناف. ثم تم تعليق مشاركته مرة أخرى، من 17 إلى 20 أبريل. وكان دفاعه بسيطًا: فقد اكتشف فريقه أن مادة الكلوستيبول كانت موجودة في بخاخ يُباع دون وصفة طبية، وكان فيزيائي سينر، جياكومو ناردي، قد استخدمه لعلاج جرح في إصبعه. وعندما قام ناردي بتدليك سينر، تم نقل آثار المادة المحظورة عن غير قصد ودون علمه. وقد قبلت الوكالة الدولية لنزاهة التنس (ITIA) هذا الشرح وقررت براءة سينر من أي مخالفة.
يقول سينر: “كانت فترة صعبة. لم أستطع التحدث مع أحد عنها. لم أتمكن من طلب المساعدة. جميع الذين يعرفونني ويراقبونني أثناء اللعب فهموا أن هناك شيئًا خاطئًا معي. قضيت ليالي بلا نوم، لأنه حتى لو كنت متأكدًا من براءتي، فأنت تعلم أن مثل هذه الأمور معقدة. كل شخص قال الحقيقة على الفور، وهذا ما سمح لي باللعب. لكن في ويمبلدون، على الملعب، كنت أشعر بالرهبة. وحتى بعدها، كان شعوري مع الناس مليئًا بالخوف. دخلت التدريب في نادي سينسيناتي وكنت أفكر: ‘كيف ينظرون إلي؟ ماذا يظنون عني حقًا؟’ أدركت من هم أصدقائي الحقيقيون.”
يبدو أن القضية قد أُغلِقَت، ولكن في سبتمبر، أعلنت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (وادا) أنها ستستأنف في قضية سِينر، مطالبةً بإلغاء مشاركته استنادًا إلى أساس الخطأ أو الإهمال. وهذا يعيد سينر إلى حالة من عدم اليقين تستمر ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر. ومع ذلك، تظل روحه ثابتة، ولعبه غير متأثر. ففي أكتوبر، وصل إلى نهائي بطولة الصين المفتوحة في بكين، ثم فاز ببطولة شنغهاي ماسترز بعد أسبوع.
ويقول سينر: “لقد نضجت كثيرًا هذا العام، سواء على الصعيدين العقلي أو البدني.”
ماذا تريد أن تقول؟
النتائج التي تراها الآن ليست مفاجئة. إنها ثمرة العمل الشاق الذي قمنا به على مدار العامين الماضيين. أنا ابن طاهٍ، وأعلم أنه لا يمكنك تحضير طبق جيد في بضع دقائق. عليك أن تدرس، وتفهم، وتحاول، ثم تعاود المحاولة مرارًا — وبعد ذلك سيكون الطبق النهائي جيدًا.
ماذا تعلمت في الملعب؟
التكتيك. إنه أمر بالغ الأهمية لأنه يمكن أن يسمح لك بتعديل مجريات المباراة عندما لا تسير الأمور كما ترغب. عندما انضم (لاعب التنس الإيطالي السابق) سيموني فاجنوتزي إلى فريقي، كان يقدم لي سبع أو ثماني ملاحظات خلال كل مباراة. وبصراحة، لم أكن أفهم أيًا منها في البداية. كان يقول لي: “بين الحين والآخر، عليك أن تنفذ تسديدة مقصية”. لكنني لم أكن أعرف كيف أؤدي تلك التسديدة، لذا قمنا بالكثير من التعديلات والتغييرات. إنها تسديدة لا أؤديها بشكل تقني صحيح، لأنني أمسك المضرب بكلتا يديّ. ومع ذلك، أشعر بثقة أكبر في تنفيذها الآن. سيموني شخص جيد كوننا نتحدث معًا كثيرًا ولا يفرض عليّ قواعد صارمة. يطلب مني أن أكون أكثر مرونة وألا ألتزم بمسافة معينة، بل أن أتمتع بالمسافة المناسبة. ملامسة الكرة بالطريقة الصحيحة تعني أيضًا أنني أستخدم طاقة أقل.
كيف ترى إمكانية تحسينك؟
في نهائي بطولة الولايات المتحدة المفتوحة، لم ألعب الإرسال بشكل جيد. وهذا أمر قد يحدث. لكن هذه الضربة يمكن أن تشهد تحسنًا كبيرًا. أنا مقتنع بأنه، مهما تدربت، يجب عليك دائمًا أن تتعامل مع يوم سيئ. لكن من المهم أن تكون قادرًا على تنويع ضرباتك، وأن تشعر بثقة أكبر عندما تقترب من الشبكة، وأن تعمل على لعب الكرة المرتدة، وأن يكون لديك شعور مختلف مع الكرة.
كيف تصف أسلوبك لشخص لا يعرف شيئًا عن التنس؟
إنه مزيج بين القوة والعدوانية. أنا أواجه صعوبة أكبر في الدفاع. في الواقع، أحاول تجنب الوقوع في الدفاع. لعبي للتنس متعدد الجوانب، ولكن، على سبيل المثال، لا أعرف بعد كيفية اللعب بالقرب من الشبكة بشكل جيد. اللاعب الذي جعلني أتطور كثيرًا هو ميدفيديف. لم أكن قد جربت اللعب بطريقة “سيرف آند فولي” من قبل، وقد دفعني للتمرن على ذلك لمحاولة هزيمته. ضد بعض اللاعبين، يجب أن ألعب بكثير من الضربات الخلفية الطويلة. في التنس، تتعلم من علاقتك مع خصمك. السؤال الحقيقي بالنسبة للاعب التنس هو: كيف يمكنني الوصول إلى عقل خصمي؟ إذا عرفت الإجابة، ستتغير الأمور في المباراة.
في وسط كل هذه الفوضى، كيف تحافظ على هدوئك؟
قبول نفسي. لقد نضجت؛ أصبحت أفهم نفسي أكثر. قد يبدو الأمر سخيفًا، لكن التعرف على نفسك أمر أساسي. عملت على ذلك كثيرًا مع أخصائي الرياضة ريكاردو تشيكاريللي. في بعض الأحيان، خسرت مباريات لأنني أنفقت طاقة كبيرة: التشنجات، والانزعاج بدأ. ولكن عندما بدأت في الاعتراف بخطأي، حققت خطوات صغيرة إلى الأمام. في المباريات، أصبح الأمر أسهل بالنسبة لي — أنسى الخطأ بسهولة. في التدريب، من ناحية أخرى، أبحث بسرعة عن التحسين. وهذا أمر خاطئ.
هل تغيير الذهنية الفائزة يغيرك كشخص؟
لا. نحن دائمًا نتحدث عن النتائج. بالنسبة لي، فهي نتيجة لما تعبر عنه على الملعب. عندما تكون في مستوى عالٍ، إذا كان الجسد يتحمل، فلا داعي لأن تشك في نفسك لأن النتائج ستأتي بالتأكيد. عائلتي تفهمني، فريقي يفهمني، ربما حتى بشكل أفضل من والديّ. أجد راحتي النفسية معهم. نحن نعيش في الفنادق والطائرات؛ نسافر طوال الوقت. هم يسمحون لي بأن أكون الفتى الذي أنا عليه، ويفهمون ما أحتاجه.
على سبيل المثال… أشياء بسيطة، مثل الاستمتاع ببعض من شغفي. أحب القيادة. إنها تجعلني أحسن بشعور رائع. وحدي، معزولًا، أضع الموسيقى، ثم بين الحين والآخر أطفئها وأستمع إلى صوت المحرك وأشحن طاقتي هكذا.
عام 2024 أيضًا يشمل آنا كالنيسكايا، زميلتك في التنس وصديقتك الحميمة. ماذا أضافت إلى حياتك؟
لا أعتقد أن هناك أي تغيير. وجود صديقة هو شيء إما يجعلك تشعر بالراحة أو يجعلك تشعر بالسوء. أريد أن يكون شيئًا يشعرني بالطبيعية، يأتي إلى حياتي بشكل عادي. لا أستطيع تحمل أن أتغير كلاعب أو كشخص. لم يحدث ذلك، لهذا ينجح الأمر.
آلا يوجد شيء يؤثر عليك؟
عندما يكون لديك مشكلة شخصية، ليس من السهل اللعب. معرفة أن عمتي مارغيث، التي فعلت الكثير من أجلي عندما كنت صغيرًا، كانت تحتضر، جعلني أعاني وأثر عليّ بالتأكيد.
هل تعكس أبدًا حقيقة أنك أكثر لاعبي التنس الإيطاليين نجاحًا على الإطلاق؟
لن تصدق، لكن لم يكن هذا هدفًا لي في يوم من الأيام أن أكون الأكثر نجاحًا في أي شيء. بالنسبة لي، أضع قيمة أكبر في نوع الشخص الذي أنا عليه؛ ونوعية الأشخاص الذين أحيط نفسي بهم؛ وما هو درجة الثقة التي يمكن أن أتمتع بها معهم. لا أعتقد أنه إذا فزت، فأنت جيد، وإذا خسرت، فأنت لست جيدًا على الإطلاق. كل واحد منا لديه مواهبه الخاصة. الحظ يكمن في إيجاد طريقة للتعبير عنها.
نعم، لكن كونك بطلًا يغير الأشياء، أليس كذلك؟
أواجه ضغوطًا أكبر. لكنني أعتقد حقًا أنه لا يوجد مال يمكن أن يحل محل أن تكون بصحة جيدة وتعيش حياتك محاطًا بالأشخاص الذين تحبهم.
قال لي أسطورة كرة القدم أليساندرو دل بييرو ذات مرة: “الخسارة تجعلني أشعر بالمرض”. أنا أؤمن أكثر بأنه إما أنك تفوز أو تتعلم. بالنسبة لي، الخسارة المتكررة أمام نوفاك ديوكوفيتش علمتني الكثير. إنها مفيدة لك؛ فهي توقظك. في كرة القدم، قد تلعب ضد كريستيانو رونالدو وتدرك أنه عليك التحضير بشكل أفضل في المرة القادمة. لكن متى ستكون المرة القادمة؟ في التنس، لدينا فرص أكثر للتعويض.
أين أخطأت هذا العام؟
التنس مهم، لكنني لم أمضِ وقتًا كافيًا مع الأشخاص الذين أحبهم. يجب أن أجد وقتًا لذلك، لأن بعض الأشياء تمر ولا تعود أبدًا.
