المفهوم. نحن جميعًا روائيون بطريقة ما. هذا جزء أساسي من كيفية تواصلنا كمجتمعات – كبيرة وصغيرة. هذا ما تتعلق به المختارات: لإقراض منصة Esquire التاريخية لجيل جديد من كتاب القصص القصيرة، والدفاع عن فن الكلمة المكتوبة. ستبرز كل عدد قصة قصيرة كتبها كاتب محلي، مما يمنحهم الفرصة لاتخاذ أول خطوة في سرد قصصهم، والتعبير عن أنفسهم وتحقيق إمكاناتهم. سيكون من حق الامتياز لـ Esquire السعودية مشاركته.


في غرفة بنية مليئة بالغبار واليأس، يستلقي وحيد (44 عامًا)، رجل سمين لكنه وسيم، على سريره القديم الذي يصدر صريرًا. لقد استيقظ للتو، يمسح الغرفة بنظره باحثًا عن بصيص أمل، أو معنى بسيط شيء يساعده على النهوض لمواجهة اليوم. يسمع أصوات حركة وضجيج من المطبخ. يغلق عينيه مرة أخرى، يسحب الأغطية حوله ويحاول العودة للنوم.

يوقظه صوت بكاء طفل، فتظهر على وجهه ابتسامة خفيفة. يزيل الغطاء عن جسده ويجلس على حافة السرير. يتوجه وحيد إلى غرفة المعيشة، المزدحمة بالأثاث الذي يجعله يشعر بحجمه الكبير. تظهر سميرة (38 عامًا)، امرأة نحيلة شاحبة البشرة، وهي تحمل طفلها البالغ من العمر سنة واحدة على وركها. يلقي وحيد نظرة عابرة ويعقبها بسعال. “السخان ما زال معطلًا”، تقول بغضب، متجاهلة بروده الواضح. تهرول أميرة (4 سنوات)، وهي ترتدي فقط ملابسها الداخلية، نحو والدها وتقفز عليه. يتراجع قليلاً، ثم يحتضنها ضاحكًا: “أنتِ أصبحتِ كبيرة الآن، لا يمكنكِ القفز علي هكذا”، لكن براءة أميرة ترد عليه بينما تدفن وجهها في صدره.

“أحضرتُ لكِ شيئًا مميزًا”، يهمس وحيد في أذن أميرة، ويضيء وجهها بمعرفة تامة لما يعنيه. تقفز وتركض نحو غرفة والديها. يضحك وحيد على حماسها. “السخان معطل، ونفدت لدينا أسطوانة الغاز!” تعبر سميرة عن إحباطها، ويتصاعد الغضب في كلماتها.

تعود أميرة في تلك اللحظة، وهي تحمل ثوب والدها الأبيض (اللباس السعودي التقليدي) وتسلمه إياه. يمد يده في جيوبه ويخرج حفنة من أوراق الشجر، التي ترميها أميرة بفرح في الهواء وهي تدور حول نفسها بينما تتساقط الأوراق على الأرض.

“لماذا أحضرت لها هذا؟ إنه متسخ وسيجعل البيت فوضويًا! الأوراق ستموت على أي حال”، تعترض سميرة بصوت حاد مليء بالغضب.

“لا! أوراق الشجر لا تموت! سأعتني بها!” تحتج أميرة بصوت مفعم بالأسى وهي تدافع عن أوراقها الثمينة. “عندما أكبر، سأكون ورقة شجر”، تضيف بثقة.

“ستكونين قوية جدًا حينها”، يحاول وحيد أن يأخذ عقلها بعيدًا عن كلمات والدتها السلبية ويمازحها.
“نعم! وسأهزمك في المصارعة!” تضحك أميرة. يسحبها وحيد إليه ويمثل المصارعة معها قائلاً: “تهزمين من؟ الآن؟” تضحك أميرة بصوت عالٍ، وسميرة، الغاضبة، تعود إلى المطبخ، حيث يستمر غضبها في الاحتقان.

بعد بضع لحظات، يرتدي وحيد ملابس العمل الخاصة به: القفاز، الأحذية الثقيلة، وسترة الأمان البرتقالية. وبينما يستعد لمغادرة البيت، تقترب سميرة منه من الخلف.

“ما زلنا لم نشتري هدية خطوبة سهيل! ونحتاج إلى حفاضات للطفل”، تذكره، مع نبرة توتر واضحة في صوتها.

يتنهد وحيد، يشعر بثقل مطالبها، ويتمنى مغادرة الشقة بأسرع وقت ممكن. “سأدبر الأمر”، يتمتم قبل أن يخرج من الباب. “هل تناولت الطعام؟” توقفه سميرة مرة أخرى، ويرد عليها بإيماءة بسيطة.
في موقع البناء، يطلب وحيد التحدث مع مديره عبدالمجيد (40 عامًا) على انفراد. ينتقلان إلى منطقة منعزلة، بعيدًا عن آذان الآخرين.

“لقد مر شهران، ولم أستلم راتبي حتى الآن”، يقول وحيد بصوت مملوء باليأس.
“لا تفقد الأمل فينا”، يرد عبدالمجيد ضاحكًا. “نحن نحاول بأقصى ما عندنا. فكر في الأمر وكأننا نوفر لك أموالك، ههه.”

لا يصدق وحيد الجرأة في رده. “أنا رب أسرة. لدي أطفال وزوجة. لا يمكنني الاستمرار بهذا الشكل”، يصر وحيد، محاولًا كتم غضبه.

“سأرى ماذا يمكنني فعله. فقط امنحنا شهرًا آخر، وستحصل على أكثر مما يكفيك لتكون سعيدًا”. يضحك عبدالمجيد مرة أخرى، ونبرة صوته مليئة بلا مبالاة.

مهزومًا، يعود وحيد إلى مكانه تحت الشمس الحارقة. لن يمانع أن يحترق تحت الشمس إذا كان ذلك يعني إرضاء سميرة، ولكن الأمر ليس كذلك. يشير إلى العمال بالصعود إلى الشاحنة، استعدادًا لهدم المبنى. مع كل ضربة من الكرة الحديدية، يشعر بفرصة للتنفيس. العدوانية في التدمير تمنحه هروبًا مؤقتًا. لكن، بينما يغرق في الفوضى، يناديه صوت.

“وحيد! هل تنوي البقاء وحيدًا إلى الأبد أم تشاركني الشاي؟”

يضيء وجه وحيد حين يرى بسام، الرجل الأسمر النحيل البالغ من العمر 52 عامًا، يلوح له.

يجلس الاثنان على الرصيف يحتسيان الشاي. يستلقي بسام متكئًا ويشارك وحيد أحلامه بحماس. “ليس هناك شيء أجمل، صدقني. العودة إلى المنزل عند امرأتين! يا الله، لا بد أن الجنة هكذا.”

يضحك وحيد، يهز رأسه معجبًا بخيالات صديقه الجامحة. “دع الأمر للجنة إذًا، حيث لا نضطر للعمل أو لكسب المال”، يقول بحكمة.

“لكن الجنة بعيدة جدًا. لماذا لا نحصل على كل النساء اللاتي نريدهن هنا، في هذه الحياة؟” يصر بسام.
“لا تقلق”، يجيب وحيد، “الجنة ستأتي أسرع مما تعتقد.”

تتلاشى ابتسامة بسام، وهو يشعر بجديّة في نبرة وحيد. “لماذا أنت مكتئب هكذا؟” يسأله.

يرسم وحيد ابتسامة حزينة على وجهه. “سميرة تريد المال لهدية خطوبة ابن عمها. ونحن لم نحصل على رواتبنا منذ شهرين، يا بسام”، يعترف وحيد، والإحباط يخرج مع كلماته.

يضع بسام يده على كتف وحيد ويقول له: “لا تقلق بشأن ذلك، يا أخي. طالما نحن أصدقاء، فلا داعي للقلق.”

يستلقي بسام على الرصيف، مغلقًا عينيه، مضيفًا، “أحلامي أسرع من الجنة، لكن في الجنة سأعتني بك وأتخذك زوجة لي أيضًا”. يضحك الاثنان، ويضربه وحيد بلطف على بطنه، مما يجعل بسام يتلوى متظاهراً بالألم.

مع انتهاء يوم العمل، يقف وحيد في الطابور مع العمال الآخرين، منتظرًا تمرير بطاقته لتسجيل خروجه. ينظر إلى الرجال من حوله، متسائلًا إذا كانوا مثله يعيشون في حالة من الإحباط. ما هو المعنى وراء كل هذا؟ يأتي دوره، ليقطع تفكيره العميق، ويتقدم للأمام. يراه مديره ويعرض عليه سيجارة، لكن وحيد يرفض بلطف ويتجه إلى المنزل.

عندما يدخل وحيد المنزل، يراه عامرًا بالفوضى. أميرة تبكي، رافضة تناول الطعام، بينما تجلس سميرة على الأرض، تحاول إطعام الطفل وطبخ الطعام في آن واحد. ترتدي سميرة فستانًا، مستعدة لحضور خطوبة ابن عمها، لكن التوتر بينهما واضح.

لا يقول أي منهما كلمة عند رؤية الآخر. يشعر وحيد بتعاطف مع عبء سميرة في رعاية الأطفال، لكن الشعور بالذنب ينهشه—ليس لديه ما يكفي من المال. يسلمها القليل من النقود التي اقترضها من بسام، محاولًا إخفاء خجله.
“هل سألتهم؟” تسأله سميرة.

يسلمها المبلغ الصغير، وشعور بالهزيمة يغلبه. “سيعطونا الباقي الشهر القادم.”
“ثلاثمئة؟ هذا لا يكفي لشيء! هل يسخرون منا؟” تعترض سميرة بغضب.

وَحيد يتنهّد وهو يرمي بجسده المتعب على الأريكة. “ماذا تريدين مني أن أفعل؟ لقد سألت، لكنهم…”
تقاطعه سميرة وهي تقف وتتجه إلى الغرفة. “لأنهم لا يحترمونك، هذا السبب.”

“هل تريدين مني أن أتشاجر معهم؟ هل هذه طريقتك لجعلهم يحترمونني؟” يرد وحيد.
“لا تتشاجر. دافع عن حقوقك!” تطلب منه بحزم.

يصمت وحيد، عالمًا أنه لو دافع عن حقوقه، قد لا يظل متزوجًا. يحاول كبح إحباطه ويغيّر نبرة حديثه. “هل هذا فستان جديد؟” يسأل محاولاً أن يُثني عليها.

تشعر سميرة بما وراء كلماته وتغادر الغرفة قبل أن يقول المزيد، وهي تعرف تمامًا أنه لن يقول.
في حفل الخطوبة، تمسك سميرة ظرفًا بيدها وهي تحمل ابنها، فيما تسير أميرة بجانبها. عند دخولها المنزل، تشاهد النساء المتأنقات بشكل فاخر، مظهرهن يُظهر بوضوح مستوى ثرائهن. تشعر سميرة بالحرج لوجود أطفالها معها، فتنأى عن الاتصال البصري بأي شخص حتى تصل إلى زوجة عمها، وهي امرأة تبلغ من العمر 67 عامًا، وتلقي عليها ابتسامة خجولة.

“آسفة لأنني اضطررت لإحضار الأطفال”، تقول معتذرة وهي تسلّم الظرف. “هذا هدية صغيرة للعروس.”

تبتسم المرأة بحرارة وهي تحتضن الأطفال. “هذا لطف منكِ، ولا تقلقي. لقد اشتقت لهما.”
بينما تتحرك سميرة وسط مجموعة النساء المتأنقات، تضغط على يد أميرة وهي تشعر بأن الجميع يراقبها ويحكم عليها. تجلس لتستمتع بالموسيقى والمقبلات، لكن تململها المستمر مع فستانها وشعرها يُظهر شعورها بعدم الراحة.

يقدم خادمٌ حلوى لأميرة، التي تنظر إليها بشوق لكنها تتردد في أخذها. سميرة، التي تراقبها بعناية، تشعر بالفخر عندما تشكر أميرة الخادم ولا تأخذ الحلوى.
“أريد واحدة، ماما”، تهمس أميرة.

“أحسنتِ، يا حبيبتي. لا تقلقي، سأحضر لكِ شيئًا مثلهم. لكن تذكري، حتى عندما نكون جائعين، لا ندع الآخرين يرون ذلك”، ترد سميرة بهدوء.

تدفن أميرة وجهها في حضن والدتها، فيما تأخذ سميرة نفسًا عميقًا، متسائلة كيف ستقضي بقية الليلة.
في اليوم التالي، يعمل وحيد بلا كلل تحت أشعة الشمس الحارقة، ينقل الكتل من الشاحنة إلى الأرض أمام المبنى مع زملائه. يتم قطع يوم العمل عندما يدعو عبدالمجيد إلى اجتماع عاجل. في غرفة ضيقة، مليئة بالعمال الفضوليين، ينتظرون ما سيقوله المدير.

“شكرًا لكم جميعًا على العمل الجاد، هاها. نحن نقدر ذلك حقًا! هاها. لدينا بعض الأخبار المؤسفة—حدثت حادثة وفقدنا عاملًا. الآن، لا نريد أن نفقد أيًا منكم، هاها، لذا نريد تذكيركم بإرشادات السلامة. بسام الرامي—رحمه الله—سيُفتقد، ونتمنى أن تكون وفاته تذكرة لمساعدتنا في إنقاذ مزيد من الأرواح. الآن، دعونا نبدأ…”

اسم بسام يصدم وحيد كالمطرقة. تتلاشى الأصوات من حوله، وتصبح رؤيته ضبابية. هل هذا حقيقي؟ لقد كان مع بسام بالأمس. كيف يمكن أن يحدث هذا؟

لم يفهم وحيد ما يحدث، إلا بعد أن وجد نفسه في المسجد، حيث تستعد الجماعة للصلاة على جثمان بسام. يجلس متجمّدًا، يحدّق في الجثمان أمامه—لا يبكي، ولا يشعر بالغضب، فقط في حالة من عدم التصديق. يسمع صوت بكاء شاب—إنه ابن بسام البالغ من العمر 17 عامًا، يبكي على والده. يغمُره شعور بالخجل. يشعر بعبء الرغبة في رعاية ابن بسام، لكنه يعلم في قرارة نفسه أنه بالكاد يستطيع رعاية أسرته.

يسحب وحيد قدميه في طريقه إلى المنزل، وجسده أثقل من أي وقت مضى. عندما يدخل الشقة، يغلق الباب ببطء، ولا يزال غير قادر على استيعاب فقدان صديقه بالكامل. تستقبله سميرة بشكاوى.
“لم أتمكن من طهي الغداء”، تبدأ بالحديث. “ما زلنا بلا غاز.”

“لا أريد أن آكل”، يتمتم وحيد دون أن ينظر إليها وهو يتجه نحو غرفة النوم.

تتبعه سميرة وهي ترد بغضب، “ماذا عن الأطفال؟ هل ينبغي لهم ألا يأكلوا لأنك لا تريد أن تأكل؟”
“ماذا تريدين مني أن أفعل؟؟” يصرخ وحيد وهو يفقد أعصابه ولكن بصوت منخفض. “ماذا تريدين مني؟ المال؟”

يبدأ بتفريغ جيوبه بعنف، ويرمي أوراقًا ممزقة وإيصالات على السرير. سميرة، مصدومة من انفجاره، تغطي فمها بينما تملأ الدموع عينيها.

“ليس لديّ شيء! أعطيتكِ كل ما أملك! ماذا تريدين مني أكثر؟ ملابسي؟” صوته يتصدع بينما يبدأ بخلع ملابسه حتى يبقى بملابسه الداخلية فقط. تبكي سميرة وتحاول منعه. “من فضلك لا تفعل هذا” تصرخ وهي تبكي، لكنه يدفعها بعيدًا ويلقي بملابسه على السرير.

“ها، خذي كل شيء”، يقول قبل أن يندفع خارج المنزل. بعيون مليئة بالدموع ورؤية ضبابية، يمشي بسرعة، لا يتجه إلى مكان محدد. ينظر حوله بحثًا عن أي عزاء، لكنه لا يجد شيئًا. الشمس تغرب، تمامًا مثل آماله في المستقبل.

يتجه إلى موقع البناء ويجلس على الرصيف حيث جلس مع بسام في اليوم السابق. يتحدث مع نفسه كما لو أن بسام لا يزال معه. “قلت إن الجنة بعيدة” يقول بينما تنهمر دموعه. يختلط عليه الأمر، هو الذي يتمنى نهاية لحياته وتحدياتها لا يزال على قيد الحياة، والذي يستحق البقاء قد رحل.

دون أن يعرف كيف، يجد نفسه على جسر تصطف الأشجار على جانبيه. يشعر بالتعب وينهار، جالسًا على الشارع وهو يبكي.

بينما يكافح وحيد لالتقاط أنفاسه، يبرد نسيم خفيف خديه المبللين بالدموع. يغلق عينيه، ناسيًا للحظة أنه في منتصف الشارع. الظلام من حوله عميق، لكن صوت أوراق الأشجار وهي تتمايل في الرياح يلفت انتباهه. يفتح عينيه ويشاهد الأوراق وهي تسقط برفق على الأرض.

ببطء، يقف، يمسح دموعه، ويبدأ في جمع الأوراق المتساقطة. بهدوء، يمشي عائدًا إلى المنزل.
عندما يدخل وحيد الشقة، تكون سميرة في غرفتها، وأميرة نائمة في غرفتها. يقف في الممر مترددًا. بعد لحظة، يدخل غرفة أميرة، يضع الأوراق على جسدها النائم، ويستلقي بجانبها، ويحتضنها.


About the author

غدير بن عباس، درست علم الأوبئة، وانتقلت بعدها بسلاسة إلى عالم السرد القصصي، حيث عملت على مجموعة متنوعة من المشاريع الإبداعية. قامت غدير بترجمة الفيلم الروائي “جنون” (2021) والسيناريو “دندنة” (2021). كما كتبت وأخرجت الفيلم القصير “سرحي شعري” (2023) وشاركت في كتابة وتأليف الفيلم القصير “أرجحها” (2022).

ساهمت غدير ككاتبة في عدة مشاريع، بما في ذلك مسلسل “ساجات”، الأصلي من إنتاج نتفليكس (2023)، و”دو ري ميمي” (2024)، الذي حصد عدة جوائز في مهرجان الأفلام السعودي، من ضمنها جائزة لجنة التحكيم.

شاركت غدير في مختبر تطوير الأفلام “لودج البحر الأحمر” لفيلمها الروائي “في البداية، هو النهاية”، الذي فاز بجائزة أكاديمية MBC خلال مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.