كان عالم الطهي شغفه منذ نعومة أظافره إلا أن الطفل الإيطالي الأصل لم يتصور يومًا أن يجوب فنه العالم ليقدم تجربة تذوق فريدة من نوعها. الشيف العالمي ماريو كاربوني يتحدث لمجلة إسكواير السعودية للكشف عن تفاصيل هذه الرحلة المثيرة وصولًا إلى العاصمة الرياض.
خلال القرون المنصرمة توافد المهاجرون من شتى أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحثًا عن رغد العيش والحياة الكريمة في العالم الجديد، ومع هذه الهجرة باتت القارة المكتشفة حديثًا موطنًا لمختلف الأجناس والثقافات، وبالحديث عن الثقافة يحظى الطعام بأهمية بالغة هنا، فهو جزء أصيل من ثقافة المجتمعات، ومرآة لهويتها وجغرافيتها، وساهمت هذه الهجرات المتتابعة في تشكيل الهوية الثقافية للولايات المتحدة الأمريكية على مدار القرون.
نشأة ماريو كاربوني بين أحد هذه العوائل الإيطالية، ونهل من تلك الثقافة الغنية بالرموز والتقاليد وبالتأكيد الطعام اللذيذ، يصف ماريو طفولته “بجوار المطبخ” وترعرع وسط عائلة تُقدِّر ثقافة الطعام وتبدع في تحضيره، حتى استحوذ عالم الطهي على شغفه وبات حلمه الأول والأخير، ولكن ذلك الطفل لم يتخيل يومًا أن يجوب فنه الآفاق ليصل إلى مختلف دول العالم، آخرها المملكة العربية السعودية.

افتتح مطعم Carbone في عام 2013 بمدينة نيويورك، وحظي بتقدير كبير ليصبح بعد ذلك مقصدًا للعديد من المشاهير والأسماء اللامعة، وهو أمر لم يخططه له ماريو بل كان وليد قصة نجاح حاكها بيده. مع استمرار سلسلة النجاحات توسع الشيف في مختلف دول العالم، إلا أن محطته الأخيرة كانت المملكة العربية السعودية وتحديدًا العاصمة الرياض، ليدشن مطعم لامي ديف الواقع في مانسارد الرياض، وبات قريبًا من افتتاح مطعم Carbone في ذات الموقع بحلول الربع الأخير من عام 2023.
يكشف ماريو كاربوني لمجلة إسكواير بعض التفاصيل المثيرة عن رحلته في عالم الطهي وصولًا إلى المملكة العربية السعودية.
إسكواير: كيف كانت زيارتك الأولى للسعودية، وما الذي أثار اهتمامك هنا؟
تشهد المملكة العربية السعودية توسعًا هائلًا وتطورًا ملحوظًا في شتى المجالات، الأمر الذي جعل السعودية وجهةً قوية لافتتاح فروعنا القادمة، بقعة جغرافية بهذه الحيوية والروح الشابة كانت مقصدنا منذ زمن ولهذا أردنا التوسع هنا.
إسكواير: يمتاز مطعم كاربون الإيطالي بلمساته الأمريكية، هل من الممكن أن نرى لسمات سعودية في أطباقك خلال السنوات القادمة؟
أعتقد أن اللمسات السعودية هي وليدة المكونات المحلية، لا نود تغيير هوية طعامنا بل نسعى لتقديم أطباقنا التي اشتهرت على مدار السنين كما هي لتلبية تطلعات المتذوقين، ولكن اللمسات السعودية ستأتي بصورة تلقائية مع المكونات الطازجة التي نجلبها من المملكة، وقد تتمثل في طريقة تقديم الطعام كذلك، ولكن غايتنا الأسمى عند افتتاح مطعم كاربون في أواخر هذا العام، أن نقدم مأكولاتنا على الطريقة التقليدية التي اعتدنا عليها في نيويورك.

إسكواير: إذًا ما هي المكونات التي أثارت اهتمامك هنا في السعودية؟
لاحظت أوجه تشابهٍ عديدة في طرائق الطبخ والمكونات في المملكة العربية السعودية مع مسقط رأس عائلتي في صقلية بالإضافة إلى الجنوب الإيطالي، هنالك شكلت أطباق مطعم كاربون ليحملها المهاجرون من إيطاليا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
إسكواير: حدثنا عن انطلاقتك في عالم الطهي؟
كنت في المطبخ منذ نعومة أظافري، اعتاد جدي وجدتي على مجالستي عندما كنت في عامي الأول، وأثناء ذلك كانوا يطهون الأطباق الإيطالية التقليدية ولدي العديد من المصور توثق هذه الطفولة، لذا كنت دائمًا بجوار المطبخ، الطهي جزء مني ومن عائلتي.
إسكواير: هل يؤثر الطبخ على حياتك اليومية؟
بالطبع ذلك أمر طبيعي، أنا شيف لذا أعتقد بأن الطريقة التي أعيش بها حياتي اليومية تختلف عن أي شخص آخر، بدءًا من وجبات الإفطار البسيطة وحتى مصادر إلهامي الخاصة.
إسكواير: هل هنالك جانب مظلم كونك طاهيًا عالميًا؟
بالتأكيد ليست بالمهنة السهلة، ساعات عمل طويلة، ضغط مستمر، ولكن الشغف هو وقودي لهذا الحب، لا يمكنني التخيل أن أقوم بشيء آخر.
إسكواير: لماذا اخترت مانسارد الرياض كوجهة لافتتاح مطعمك الجديد “لامي ديف”؟
عند سماعنا بالمشروع الفاخر وحديثنا مع المهندسين المعماريين القائمين عليه، أدركنا بأن هذا الموقع هو الأمثل لـلامي ديف، يراعي مانسارد أدق تفاصيل الفخامة التي تتطابق مع هوية المطعم، لذا وجدت أن هذا هو الانسجام المثالي.
إسكواير: يقدم مطعم لامي ديف مفهومًا جديدًا للمأكولات الفرنسية الفاخرة، ما هو؟
يقدم المطعم أسلوبًا جديدًا للأطعمة الفرنسية الكلاسيكية المعتمدة بصورة كبيرة على الشواء، مع نكهات الثوم والبقدونس، وهو أسلوب طهي فرنسي قديم يمكنك إيجاده اليوم في باريس، واستلهمت هذه الأطباق ومكوناتها من المغرب ولويزيانا والعديد من المناطق التي استعمرها الفرنسيون يومًا، لذا تتميز بالبهارات والتوابل وأسلوب الشواء التقليدي.

إسكواير: من كوينز إلى الرياض، كيف تصف هذه الرحلة؟
هي رحلة تفوق الوصف ولم أكن لأتخيلها يومًا، ما وصلت إليه اليوم تخطى أحلامي، لم أتوقع يومًا أن أجوب العالم مؤثرًا على العديد من الناس، أنه أمر مذهل.
إسكواير: كيف وجدت الهزلية التي قدمها فيلم “القائمة” عن قطاع المأكولات الفاخرة؟
-يجيب مبتسمًا- أعتقد أنه دقيق للغاية، من منظوري الشخصي؛ هنالك انحراف واضح في هذا القطاع، يحاول البعض المبالغة في تقديم وصناعة الطعام، وهو أمر لا أفضله شخصيًا، ويبدو كطرفة. أستطيع أن أتخيل وجود هذا الشيف غريب الأطوار.
إسكواير: لماذا برز المطبخ الإيطالي وأصبح الأشهر في العالم؟
تملك إيطاليا ثقافية غنية ورومانسية، عندما تتناول الطعام في أحد المطاعم الإيطالية فأنت تعيش التجربة الثقافية كاملة، جميع من زار إيطاليا أعجب بثقافتها وطعامها وروحها. اكتسحت الثقافة الإيطالية العالم جالبة معها الطعام الإيطالي.
إسكواير: هل هنالك ارتباط وثيق بين الثقافة والطعام؟
بالتأكيد، العلاقة وثيقة جدًا، المأكولات والأطعمة هي انعكاس لثقافتها وجزء أصيل منها، والمطبخ الغني مرآة لثقافة غنية.
إسكواير: عرفت كونك طاهي المشاهير، كيف اكتسبت هذه السمعة وأصبحت مقصدًا للعديد من الأسماء اللامعة؟
بات كاربون مقصدًا للعديد من المشاهير، وهو أمر عفوي لم أخطط له مسبقًا، أفضل البقاء خلف الكواليس، لا أظهر في العديد من البرامج التلفزيونية ولا أملك برنامج خاص وتواجدي على وسائل التواصل الاجتماعي محدود جدًا. يسعدني أن أصبح مقصدًا لهم ولكنها ليست غاية أسعى إليها، وأرفض هذه المنهجية وأفضل التركيز على الطعام الجيد فقط.

إسكواير: هل تطبخ في المنزل بنفس الطريقة التي تطبخ بها للزبائن؟
يعتقد البعض أن الشيف يقضى معظم ساعاته في الطهي وهو أمر غير واقعي، أطهو في معظم الأحيان أطباقًا بسيطة ولكن بمكونات رائعة، وأسعى دومًا لامتلاك أجود المكونات.
إسكواير:ما هو طبقك المفضل؟
يتمثل طبقي المفضل في المعكرونة البسيطة والجميلة، يستغرق تحضيرها مدة بسيطة إلا أنها مرضية بصورة كبيرة، خصوصًا في يوم الأحد كما اعتدت منذ صغري.
إسكواير: هل نتوقع المزيد من التوسع لسلسة مطاعمك في باقي مناطق المملكة؟
-إنشاء الله- لا نملك خطة توسع واضحة ولكننا نسعى لإرضاء عملائنا لنحظى بفرصة للتوسع، ستشهد المملكة المزيد من التطور في المستقبل القريب ونأمل أن نكون جزءًا منه.
يمكنك قراءة: أفضل 10 مطاعم في الرياض 2023