لطالما شكّل التفاعل مع الثقافات الأخرى أمراً بالغ الحساسية، فقد استغرقني الأمر قضاء 10 سنوات في منطقة الشرق الأوسط قبل أن أقرر الحصول على الزي الرسمي السعودي، والمعروف باسم «الثوب». ولم تكن هذه الفكرة تراودني خلال فترة إقامتي في الإمارات العربية المتحدة رغم جمال الأزياء الرسمية هناك أو «الكندورة»، والتي تتميز بتصميم بدون ياقة مع شرابة طويلة من الأمام. ولكن رحلتي إلى المملكة العربية السعودية قبل عدة سنوات حفّزت في داخلي الرغبة في ارتداء الزي الوطني للرجال.
وكان ذلك أثناء مشاركتي في افتتاح مؤتمر «مستقبل الأزياء» في فندق ماريوت ضمن الحي الدبلوماسي بالرياض، حيث اجتمعت نخبة الأسماء الرائدة في قطاع الموضة العالمية لاستكشاف الإمكانيات الإبداعية في المملكة.
وخلال الاستراحة، تناولت الغداء مع صديقي القديم مصمم الأزياء السعودي الشهير حاتم العقيل، حيث سألته عن إمكانية ارتداء الوافدين للثوب السعودي، ومدى تقبّل المجتمع لهذه الفكرة. فأجاب بعبارة واثقة لا يمكنني نسيانها بأن
«السبب الوحيد الذي يجب أن يمنعك عن ارتداء الزي السعودي هو استخدامه كزيٍّ لحفلةٍ تنكرية فإن رغب الوافدون بارتداء الثوب كتقدير للثقافة العربية فهذا سلوك رائع يستحق التشجيع، ولكن مع مراعاة الأناقة».
لمع اسم حاتم العقيل في تصميم «الثوب» العصري لما يقارب عقداً من الزمان. ونجح من خلال علامته التجارية «توبي من حاتم العقيل» في تقديم إبداعات تتجاوز حدود التصاميم المتبكرة لتسلّط الضوء على السياحة الثقافية في المملكة، وعزّز هذه الخطوة بتعاونه مع هيئات حكومية لإطلاق منصة تتغنّى بالصناعة السعودية تحت عنوان Made in KSA. وخلال مسيرته المهنية، شهِد العقيل مراحل تطوّر الثوب من مجرد زي تقليدي إلى رمز ثقافي يحظى بالتقدير والاحترام على مستوى العالم. وأكّد لي أنه «مع ازدياد الانفتاح العالمي على الثقافة العربية، أصبح الناس أكثر تفهماً وتفاعلاً مع التقاليد الحضارية للبلدان. فمن المفروض للثقافة أن تقرّب بين المجتمعات، سواء عن طريق الموسيقى أو الفنون أو تصميم الأزياء، لذلك ينبغي توسيع نطاق الوصول إلى الثقافة التقليدية، باعتبارها خطوة هامة للتعريف بحضارة منطقتنا وتنمية المواهب الموجودة فيها».
وأيّد كريستوف بيوفاي هذه الفكرة، وهو مصمم الأزياء البلجيكي الذي ارتبطت مسيرته المهنية مع علامة جان بول غوتييه الفرنسية قبل أن ينتقل إلى جدة عام 2012، حيث بدأ العمل كمصمم رئيسي في دار أزياء لومار السعودية.
وأخبرني بيوفاي في اتصال هاتفي بعد عدة أشهر من تواجده هناك بأنه ارتدى الثوب الوطني منذ اليوم الأول لانتقاله إلى المملكة. وعلّل ذلك بالقول:
«ارتديت الثوب لأنني أعمل في قطاع الأزياء أولاً، فمن الضروري بالنسبة لي أن أفهم قصّات الملابس وملمسها، كما وجدتها طريقةً مثاليةً للتعبير عن احترامي للبلد وتاريخه الثقافي».
وعندما بدأتُ بتصميم الثوب السعودي الخاص بي، تحدثت مع العديد من الأشخاص الذين أحترم آرائهم، حيث قال آلان، وهو صديق لبناني عاش في منطقة الخليج العربي لأكثر من خمسة عشر عاماً:
«رغم احترامي الشديد لثقافة المنطقة، إلّا أن ارتداء الثوب في الحياة اليومية لن يشعرني بالراحة. تماماً كما لو أن شخص غير اسكتلندي يرتدي الكيلت».
وشارك العديد من المغتربين من الولايات المتحدة وبريطانيا وجنسيات أخرى آلان نفس الشعور خلال إجابتهم عن سؤالي، حيث أكّد وليام، وهو مغترب أمريكي يقيم في الرياض بأنه لا يمانع ارتداء الثوب أو الكندورة في المناسبات الرسمية إن طُلب منه ذلك. ولكن مجمل المحادثات التي أجريتها مع الأصدقاء انطلقت من رؤيتهم لكيفية إظهار الاحترام تجاه الثقافة المحلية. وبالنظر إلى المغتربين المقيمين في منطقة الخليج العربي، فقد نشأت بينهم وبين أفراد المجتمع علاقة احترام وقبول ثقافي متبادل، خاصةً فيما يتعلق باختلاف نمط الأزياء. ويقول وليام في هذا الصدد: «ارتديت الثوب الرسمي لمرات قليلة، واستمتعت بإحساس الراحة الذي يمنحه، ولكنني لا ارتديه كثيراً، لأنني غير معتاد عليه».
غالباً ما يتم الحديث عن مدى إعجاب الوافدين الأجانب بتصميم الثوب الخليجي، خاصةً اللون.
ويتلقى المرشدون الثقافيون في المنطقة الكثير من الاستفسارات حول الدلالات اللونية للأزياء الرسمية. ولكن التنوع في ألوان هذه الملابس لا يتعدّى مسألة الذوق الشخصي والمنطق، حيث يشكّل اللون الأبيض الخيار الأكثر شعبيةً كونه يوفّر الإحساس بالانتعاش في بيئة الصحراء الحارة. بينما يتم ابتكار الثوب الصيفي من أقمشة خفيفة الوزن. أمّا التوجهات الرائجة في موسم الشتاء فتطغى عليها الأثواب الداكنة كالأزرق والبني، وهي مصنوعة غالباً من أقمشة سميكة.
ويرى كلاً من بيوفاي والعقيل بأن الجغرافيا تلعب دوراً محورياً في تحديد مسارات تطور الأزياء الرسمية، حيث اكتشف بيوفاي من موقع خبرته بأن «السعوديين أكثر تقبلاً للصيحات الجديدة في تصميم الثوب، خاصةً في مدينة مثل جدّة، والتي تعتبر هذا التوجه طريقةً مثاليةً لتحديث الثقافة المحلية، فتعديل التصميم التقليدي، من خلال إبراز الياقة مثلاً، يمنح الجيل الشاب خيارات عصرية بدلاً من تقييدهم بنماذج محددة قد تدفعهم لتبنّي أساليب متأثرة بالثقافة الغربية». أمّا حاتم عقيل الذي عمل لدى شركة في العاصمة قبل دخوله عالم تصميم الأزياء، فقد أكّد على اختلاف الثقافة بين جدّة والرياض:
«تحافظ الرياض على تقاليد صناعة الثوب مثل التزام مدينة سافيل رو اللندنية بأصول الخياطة القديمة، حيث تركّز الشركات الحكومية ضمن العاصمة السعودية على ارتداء ثوب تقليدي بقصة كلاسيكية، وهذا الأمر ذاته في سافيل رو».
ومن جهتي، فقد استغرقني الأمر أكثر من عقد لأقرر الحصول على ثوب خاص بي. وكنت شديد الحرص في التعبير عن رؤيتي لهذه الفكرة من خلال المحادثات التي أجريتها، وبطريقة تُظهر احترامي لمنطقة أعطتني الكثير، وشعرت بأنها وطني الثاني. وفي النتيجة، قد لا أرتدي الثوب الخليجي بانتظام، ولكني لن أشعر أبداً بعدم الارتياح عند ارتدائه.