كان المجدف السعودي حسين علي رضا يسير في المقدمة خلال بطولة الرجال الفردية لسباق 2000 متر في البطولة الآسيوية داخل الصالات للعام 2019. كانت ذراعاه وساقاه تنبضان بلا توقف نتيجة المجهود المستمر الذي بذله، كان مجدافاه يشقان المياه بدقة مثل طبيب جراح ماهر يعلم تماماً أين يضع مقصه بدقة متناهية، ليقطع بقاربه أحادي الهيكل 1900 متر من المياه الهادئة متجهاً بثقة نحو الميدالية الذهبية للمملكة العربية السعودية، ولكن وبدون أية مقدمات، ظهرت أمام عينيه شاشة سوداء.
على الرغم من تبقي 100 متر فقط لخط النهاية، ولكن جسد حسين علي رضا قد توقف تماماً. يقول عن ذلك الموقف: “انهار جسدي تماماً، وكأن حرارته ارتفعت إلى مقاييس غير مسبوقة، وشعرت بأني قد أصبت بالشلل لمدة أربع دقائق كاملة”

لاحقاً في سيارة الإسعاف وأثناء تلقيه للأوكسجين والجلوكوز، كان الآخرون من حوله يشعرون بقلق بالغ، ولكن البطل حسين علي رضا كان يشعر بخيبة أمل كبيرة وفي نفس الوقت وعلى نحو غريب كان يشعر بالسعادة أيضاً.
يقول حسين علي رضا عن تلك اللحظات: “أذكر بأنه كان لدي فضول كبيرة لمعرفة ماذا حدث معي في تلك الحظة. شعرت وكأنني أحترق وبألم في كل بقعة من جسدي، ولكن ذهنياً، انتابني شعور غريب فكنت أقول لنفسي ” يا سلام، هذا أمرٌ رائع” فقد كان الأمر شعوراً جديداً. فلم أدفع بجسدي أبداً إلى نقطة ينهار بها تماماً. أعتقد بأني كنت فخوراً بنفسي”
مثل جميع الرياضيين المحترفين، فقد سمع العديد من القصص حول كيف سيكون الأمر إن دفعت بجسدك إلى “المنطقة الحمراء”. ولكن من خلال تجربة الوصول إلى المنطقة الحمراء كان هناك أخيراً لدي فهم عميق لمعنى ذلك. يقول حول ذلك: “بالذهاب إلى ذلك الحد أدركت مستويات القدرة التي يمكن أن يصل إليها جسدي، وأدركت بأني استطعت رفع مستوى قدرتي الجسدية بنسبة 5 بالمئة على الأقل. أعلم الآن بأنه خلال يوم السباق، بأني يمكنني الوصول إلى هناك إن احتجت القيام بذلك
وللتاريخ، فقد أكمل ذلك السباق في المركز الثالث
كتب تي إس إليوت في إحدى المرات: “فقط أولئك الذين يخاطرون بالمضي بعيداً، يستطيعون اكتشاف إلى أي مدى يمكنهم الوصول”. ليس من المفاجئ بأنها هذه المقولة قد أصبحت على نحو ما تعويذة أو شعار لحسين علي رضا، فقد منحت مسيرته الرياضية في التجديف بعداً جديد ليكون أول سعودي ينافس في رياضة ضمن الأولمبياد. ولكن بالنسبة لحسين علي رضا، فإن قصته ليست قصة رياضية بقدر ما هي قصة إنسانية.

***
حسين علي رضا فتى العائلة. بطله في الحياة هو والده علي حسين علي رضا. الذي نشأ في مدينة جدة، ذهب علي رضا الأب للدراسة في المملكة المتحدة في مدرسة تشارترهاوس، وهي مدرسة عامة تحظى بمكانة واحترام كبيرين وتقع خارج مدينة لندن مباشرة. لقد كان طالباً جيداً برع في لعبة الإسكواش، وبعد أن طور حاسة جيدة في مجال الأعمال انضم في نهاية المطاف إلى شركة ناجحة في مجال تجارة السيارات في جدة وهي التي أسسها جد والده. كان هناك ولده حسين علي رضا والذي تبع خطى والده. فقد نشأ أيضاً في المملكة قبل أن يذهب إلى مدرسة داخلية هي مدرسة تشارترهاوس. ولعب الإسكواش أيضاً وهناك أظهر أولى علامات براعته الرياضية من خلال التنافس في البطولات الوطنية عن فئته العمرية.
يبتسم حسين علي رضا ويقول: “قد أكون معروفاً برياضة التجديف، لكن الإسكواش هي رياضتي المفضلة”. ويضيف: “أنا أحب الحدة والاستراتيجية مما يجعلها رياضة ممتعة للغاية بالنسبة لي، وفي الواقع فلقد أصبحت مجدفاً، ولكن هذا الأمر لم يكن حلماً أو شغفاً يراودني مدى الحياة”.
بالنسبة لـحسين علي رضا، لم يتخذ التجديف كهواية، بل اتخذها في البداية لتمضية الوقت والالتقاء بأناس جدد، وذلك خلال فترة دراسته للحصول على درجة الدراسات العليا في جامعة كامبريدج. يقول حسين عن ذلك: “إن مستويات لياقتي البدنية كانت موجودة بسبب الإسكواش، لذلك دخلت عالم التجديف على نحو سريع، وتحسنت بصورة سريعة لدرجة أن مدربي أخبرني أنه يجب أن أفكر في التعامل مع هذه الرياضة بجدية أكبر وأخذ الأمر على محمل الجد”

بعد ذلك بثلاث سنوات كان حسين علي رضا يسير في استاد اليابان الوطني في حفل افتتاح أولمبياد طوكيو 2020، ليس فقط ككابتن للفريق السعودي للتجديف، ولكن كواحد من حاملي علم الفريق الأولمبي بالمملكة – وهو أحد أرفع الجوائز في مجال هذه الرياضة.
كان مجرد التواجد هناك بمثابة بوابة تفتح آفاقاً جديدة أمام المجدفين السعوديين، بينما رأى الملايين في الوطن وحول العالم وجهاً جديداً للبلاد في المشهد الرياضي. قبل نصف عقد من الزمان، لم يكن أحد في عائلته قد حمل مجذافاً من قبل، والآن كان حسين علي رضا هو النجم الأول والأوحد لهذه الرياضة في المملكة، إذ لعب دوراً محورياً في إنشاء الاتحاد السعودي للتجديف، حيث أصبح علي رضا الأب رئيساً لهذا الاتحاد.
ولمّا كان الابن يتبع الأب، فإن الأب الآن يتبع الابن.

***
هل تذكر مقولة إليوت؟ حسناً هي الآن تظهر بصورة جلية في هذه السنوات الثلاثة التي قادت حسين علي رضا إلى أولمبياد طوكيو 2020 حيث وجد خلالها حقيقته في هذه الكلمات.
بعد اتخاذ قرار ممارسة رياضة التجديف جدياً، استعان حسين علي رضا بأحد أكثر مدربي الرياضة احتراماً، بيلي باري. حيث عملا معاً في تقديم البطل السعودي الحائز على الميدالية الفضية الأولمبية ليكون أول مجدف سعودي ينافس في الأولمبياد. وذلك من خلال تكريس جهوده خلال 3 سنوات متواصلة.
يقول حسين علي رضا بشكل واضح: “التجديف هو ألم، وعليك أن تكون متصالحاً مع هذا الألم”. “لقد جربت الكثير من الرياضات، ولا شيء يقترب من مدى صعوبة التجديف عقلياً وجسدياً”. وحسب حسين علي رضا، فإن أول ما تعلمه عن هذه الرياضة هو صعوبة إجادتها بشكل تام دون تحقيق الالتزام والانضباط. كما أن المنافسة على المستوى الأولمبي تتطلب التفاني والانضباط الذاتي وهما أمران بالغا الأهمية.
يقول حسين علي رضا: “عليك أن تكون متوافقاً مع واقع معين في حياتك وهو أنك ستستيقظ في صباح الغد الباكر، لتواجه الجو البارد والرطب، كما ستواجه الألم الناجم عن التدريبات”. لقد لقنته هذه الرياضة من خلال العقلية التي تتطلبها بعضاً من أهم دروس الحياة. ويضيف: “بدون تعلم ما يعنيه أن تكون مرناً في هذه الرياضة، لم أكن لأتمكن من التعامل مع مجالات أخرى من حياتي والتي تطلبت الحاجة إلى قوة داخلية عميقة”
واجه حسين علي رضا بعضاً من أحلك أيام حياته في تلك الفترة خلال العام 2018، حيث تم تشخيص إصابة والدته بالورم النخاعي المتعدد – سرطان نخاع العظم – وللأسف فقد خسرت معركتها الأخيرة أمام هذه المرض الخبيث في صيف عام 2020. حينئذ تغيرت نظرته للحياة. فقد بدت ممارسة رياضة التجديف أمراً تافهاً بالنسبة له، وكانت الساعات والأسابيع التي كان يقضيها بعيداً في معسكرات التدريب تبدو وكأنها وقت ضائع فهو وقت يقضيه بعيداً عن العائلة الأكثر أهمية.

على أي حال، فقد كانت والدته التي أصرت أن يستمر، ويمضي قدماً في هذه الرياضة.
“بصراحة، بعد تشخيص والدتي بذلك المرض الخبيث، فقد تغير الحافز لدي. لم يعد الأمر يتعلق بالمجد الشخصي لكوني رياضياً أولمبياً، كل تلك التفاصيل بدت غير مهمة. كنت أفعل ذلك من أجل الناس من حولي” ويشرح حول تلك الفترة: “لا يهم أنني كنت بائساً وكنت أكره معسكرات التدريب، واضطررت إلى استخدام تطبيق الفيس تايم للتواصل مع والدتي أثناء تواجدي في الخارج، فقد تخيلت هدفي بالتواجد في الألعاب الأولمبية وبأن أي شيء آخر يحدث بينهما لا يهم. كنت أجدف من أجل الجميع، كنت أجدف من أجلها”
مع انتشار جائحة كورونا، والتي أدت إلى تأجيل أولمبياد طوكيو لمدة 12 شهراً ، فقد تمكن حسين علي رضا من قضاء الأشهر القليلة الأخيرة بجانب والدته. لكن، إذا لم يكن الأثر العاطفي لفقدان والدته كافياً، فسرعان ما ساق له القدر ضربتين قاسيتين، ليجد نفسه مرة أخرى أمام اختبار حقيقي لمقدرات ثباته العقلي.
جاءت أول أولى الضربات القاسية في يوم سباق التأهل للأولمبياد، حيث تعرض لكسر غريب ناجم عن الإجهاد في أحد الأضلاع ثم انهارت رئته لاحقاً. على الرغم من نصائح الأطباء له بالانسحاب من السباق، فقد كافح من خلال الألم وتأهل بأعجوبة. عاد إلى مركز التدريبات في المملكة المتحدة لإجراء عملية، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد خضع لاختبار كوفيد 19 وكانت نتيجة التحليل إيجابية، وقد حصل ذلك قبل أسبوعين تماماً من رحلته إلى طوكيو.
يشرح حسين عن تلك الفترة العصيبة: “لقد حصل لي أسوأ ما يمكن أن يصيب المرء من فايروس كورونا. فقد أصابتني جميع الأعراض، الإنفلونزا، الحمى، فقدان التنفس، انعدام حاسة الشم والتذوق، كان الأمر جنونياً، لقد عملت بجد وضحيت كثيراً للوصول إلى حيث كنت ثم، تلقيت الضربة الموجعة، والتي تمثلت بالإصابة بفيروس كورونا. بعد ذلك وبطريقة إعجازية ما، أظهرت نتيجة اختبار كورونا الجديدة بأنها سلبية قبل أيام فقط من رحلتي إلى الألعاب الأولومبية، لكنني لم أكن في حالة جسدية تمكني من التنافس أمام أفضل المجدفين في العالم”.

على الرغم من حصول المعجزة ووصولي إلى أولمبياد طوكيو، إلا أن للقدر رأياً آخر فقد وصل حسين علي رضا في أسوأ حالة بدنية ممكنة للمنافسة. كان يشعر بالقلق من إحراج نفسه في هذه البطولة العالمية. لذا فقد فكر في الانسحاب، وكما كان يفعل كثيراً من قبل، لجأ إلى عائلته. يشرح حسين عن ذلك: “قال والدي إنه سيدعم أي قرار اتخذه، لكنني كنت أعرف في أعماقي أنه يجب التنازل عن كبريائي، واغتنام الفرصة كنت أعرف ما الذي تعنيه المشاركة لاتحاد اللعبة، وللرياضة في الوطن بالسعودية، ولأشخاص مثل وزير الرياضة الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل. ستكون منصة ضخمة يمكن البناء عليها خلال السنوات الأربع القادمة”.
لذا فقد قام بما اعتاد القيام به من قبل، نظر عميقاً داخل نفسه وعلم بالضبط ما الذي يجب عليه القيام به.
***
في موقع تصوير إسكواير السعودية، يخفي حسين علي رضا سراً. لقد كان في المملكة المتحدة لمدة شهر في معسكر تدريبي مع الأعضاء الآخرين في المنتخب السعودي للتجديف. هرباً من حرارة صيف الشرق الأوسط، يستعدون لبطولة العالم للتجديف 2022 القادمة في براغ. فقط حسين علي رضا لن ينافس في هذه البطولة. فهو يتعافى من خلع في الكتف. في موقع التصوير، لا أحد يلاحظ بأنه مصاب بخلع في الكتف.
يشرح حسين علي رضا عن إصابته الأخيرة بالقول: “الإصابة محبطة للغاية، خاصة أنها حدثت عندما كنت ألعب مباراة ودية في تنس البادل” ويضيف:”توقيت ذلك يعني أنني لن أخسر المشاركة في بطولة العالم فحسب، بل أيضاً الألعاب السعودية القادمة والتي تبلغ قيمة الجائزة مليون ريال سعودي!” إنه يتحدث من غرفته بالفندق في براغ حيث سافر، بغض النظر عن الإصابة، فهو هناك في البعثة للحصول على مكان في لجنة الرياضيين في الهيئة المنظمة لرياضة التجديف.
تمثل آسيا حالياً 30 بالمئة من المنافسين في رياضة التجديف المحترف، ومع ذلك، لا تزال ممثلة تمثيلاً ناقصاً نسبياً في التسلسل الهرمي لصنع القرار في هذه الرياضة. يشرح قائلاً: “لا تتمتع منطقتنا بتأثير كبير في صناعة قرارات هذه الرياضة لذا بدأ الاهتمام في الظهور الآن، ونحن نحاول تغيير واقعنا. سيكون من الجيد أن يكون هناك شخص يمكنه رفع مخاوفنا في المنطقة الآسيوية إلى الهيئة المنظمة”

بالنسبة لمعظمنا، حسين علي رضا هو أفضل مُجدف في المملكة العربية السعودية، لكن الاحتمالات هي أنه لن يكون الأكثر نجاحاً. يعد العمل الفردي الذي قام به لترك بصمة في رياضة جديدة في دولة مغرمة بالرياضة أكثر أهمية بكثير من أي جائزة سباق فردية قد يحققها. والدروس التي تعلمها طوال مسيرته ستترك إرثاً أوسع بكثير من أي رياضة فردية. لأن قصته ليست قصة رياضية. إنها قصة إنسان.
اقرأ أيضاً: عثمان الملا محفّز ومؤسس رياضة الجولف السعودية