على الساحة العالمية، تتهيّأ السعودية لأن تصبح موطنًا جديدًا للملاكمة الاحترافية. لكن هناك من يسعى بجدّية لترسيخ جذور هذه الرياضة في الداخل: إنه سليمان عبّار الذي يحمل رؤية تتجاوز حدود المنافسة داخل الحلبة لتصل إلى آفاقٍ أبعد وأعمق.

يدرك سليمان عبّار تمامًا كيف يتلقى الضربة، لكن الأهم من ذلك، أنه يعرف كيف يبني شيئًا يدوم داخل الحلبة وخارجها.

بصفته المصنّف الأول بين الملاكمين المحترفين في السعودية، يرسّخ عبّار مكانته بسرعة فائقة كمنافس لا يستهان به، محقّقًا أربعة انتصارات مبهرة بالضربة القاضية في أربع نزالات فقط.

لكن بعيدًا عن عالم الملاكمة، يؤدّي دورًا بارزًا في غرفة تجارة جدّة، فضلًا عن كونه رجل أعمال يسهم في تنمية الصناعة المحلية وتعزيز الاكتفاء الذاتي عبر شركة Ghazi Abdullah Abbar Co. Ltd.

بصفته عضوًا في غرفة تجارة جدّة ومشاركًا نشطًا في لجنة الصناعات الغذائية والدوائية، يعمل على سدّ الفجوة بين القطاع الخاص والمبادرات الحكومية.

رغم نجاحاته المتزايدة في عالم الأعمال، تبقى الملاكمة شغفه الأكبر، ليس فقط بصفته ملاكمًا، بل أيضًا كصانع فرص.

فهو يدرك أن الجيل القادم من الملاكمين السعوديين يستحق فرصًا أفضل في التدريب، التأهيل والمنشآت الرياضية، وهي الأسباب التي تدفعه للاستثمار في تطوير منظومة الملاكمة في جدّة، ليس فقط لنفسه، لكن لكافة المواهب الصاعدة في وطنه.

مع اقتراب موعد النزال المرتقب في 15 مارس ضمن فعالية Grassroots Boxing في دبي، باتت تحضيراته أكثر تركيزًا من أي وقتٍ مضى. فالتدريب لم يعد مجرّد اختبار للقدرة البدنية، بل تحوّل إلى ممارسة قائمة على الدقّة والانضباط. كل جلسة تدريب لها هدف وكل حركة تنفّذ بإتقانٍ مدروس.

“إتقان فن إدارة الوقت هو الركيزة الأساسية. الموازنة بين مسيرتي القتالية ومشاريعي التجارية يتطلّب قدرًا عاليًا من الانضباط، لكن المبدأ واحد: التركيز على ما يهم وتنفيذه بإرادة قوية.”

يركّز عبّار على تحقيق الانتصار، لكنه يدرك أن العظمة تبنى على التطوّر المستمر. يعيد دراسة نزالاته السابقة، يفكّك تفاصيلها، يتأمل مكامن قوته ويعالج نقاط ضعفه، متبنّيًا منهجية دقيقة تميّز الأبطال الحقيقيين عن سواهم. فبالنسبة له، الخسارة ليست نهاية، بل درس ثمين يضاف إلى رصيد خبرته ويصقل مسيرته نحو القمّة.

“يعتقد الكثيرون أن الملاكمة تدور حول مبدأ القوّة فقط، لكنها في الحقيقة تتعلق بالتحكّم أي السيطرة على الحركة، التحكّم بالعواطف وضبط إيقاع القتال. أعظم الملاكمين في العالم هم أولئك الذين يفرضون إرادتهم بينما يحافظون على هدوئهم التام”.

هذا الانضباط لا يقتصر على الحلبة، بل يمتد إلى جميع جوانب حياته. سواء كان في قاعة الاجتماعات أو في صالة التدريب أو أثناء مناقشة استراتيجيات الأعمال، فإن المبادئ التي يعتمدها واحدة: التفكير الاستراتيجي، التركيز والاستعداد الدائم.

تتسارع خطى السعودية نحو التحوّل إلى قوّةٍ رياضية عالمية، حيث تستثمر بشكلٍ مكثّف في البطولات النخبوية، الشراكات الدولية وتطوير الرياضيين. بينما تجذب أحداث الملاكمة الضخمة ضمن موسم الرياض اهتمام العالم، يدرك عبّار أهمية تنمية المواهب الناشئة وأنه المفتاح لترسيخ هذا الزخم.

“الموهبة لا تزدهر في العزلة، بل تحتاج إلى بيئةٍ داعمة، إرشادات وفرص حقيقية. فالموهبة بلا فرصة لا تعني شيئًا.”

مقارنةً بدول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لا تزال الملاكمة السعودية في مراحلها الأولى. هناك مواهب، لكن كثيرًا منها يفتقر إلى بنية تحتية تدريبية متطوّرة أو فرص لمواجهة منافسين عالميين.

هنا يرى عبّار دوره؛ فهو يطمح إلى إنشاء منظومة متكاملة للملاكمة في السعودية، تضم مدرّبين معتمدين، أكاديميات للشباب ومسارًا واضحًا يسمح للهواة بالتحوّل إلى محترفين دون الحاجة للسفر إلى الخارج.

رغم كونه المصنّف الأوّل في المملكة، لم يخض عبّار أي نزال على أرض الوطن. “خضت نزالات دولية، ومثّلت بلادي في كل مكان. لكن لا شيء يعادل القتال على أرض الوطن؛ هذا حلم كل ملاكم. سيكون شرفًا لي أن أتنافس على أرض بلادي.”

يزداد الطلب على تنظيم بطولات ملاكمة محلية، ويأمل عبّار أن يسهم استثماره في البنية التحتية للرياضة في جعل السعودية مركزًا لاستضافة النزالات الاحترافية الكبرى، وإبراز المواهب الوطنية على الساحة العالمية.

بدلًا من انتظار التغيير، قرّر أن يكون صانعه، إذ أنه على وشك افتتاح نادي  SGA Clubالرياضي وهو بمثابة رسالة موجّهة للجميع.

“لا ينبغي لأحد أن يغادر وطنه سعيًا وراء حلمه. أتيحت لي فرصة التدريب في أماكن عالمية، وخضت مواجهات أمام ملاكمين من الطراز الأوّل. أما الآن، فأطمح إلى نقل هذه التجربة إلى هنا، لأمنحها بعدًا جديدًا وأثرًا أعمق.”

يعتبر SGA Club أكثر من مجرّد نادي رياضي؛ فهو مركز لصناعة الأبطال، يوفّر للمواهب الناشئة تدريبًا على أعلى مستوى، بالإضافة إلى المعدّات الحديثة وبرامج التطوير الممنهجة القادرة على تحويلهم إلى رياضيين محترفين.

ستضم الصالة أحدث المعدات الرياضية، طاقمًا تدريبيًا محترفًا، ومنطقة مخصصة للنزالات التدريبية، بالإضافة إلى برامج تأهيلية للهواة والمواهب الشابة.

لم يتم الإعلان بعد عن موعد الافتتاح الرسمي، لكن الرؤية واضحة: أن يصبح نادي SGA Club القلب النابض للملاكمة السعودية، حيث لا يقتصر الأمر على تطوير المواهب، بل توجيهها استراتيجيًا نحو النخبة العالمية.

“أريد أن أؤسّس مكانًا يصنع فيه الأبطال. أريد أن أخلق بيئة يكون فيها كل تمرين خطوة نحو تحقيق العظمة.”

بعيدًا عن عالم الملاكمة، يلعب عبّار دورًا نشطًا في التحوّلات الاقتصادية التي تشهدها السعودية. من خلال عمله في لجنة الصناعات الغذائية والدوائية، يسهم في ربط القطاع الخاص بالمبادرات الحكومية التي تهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات.

حظيت جهوده باهتمام المملكة، ما دفع غرفة تجارة جدّة إلى منحه دورًا أكبر في دعم هذه المساعي.

تضع رؤية السعودية 2030 تركيزًا كبيرًا على تنويع الاقتصاد، ومن بين أهم القطاعات المستهدفة تعزيز الاكتفاء الذاتي في التصنيع. توفّر الحكومة حوافز للشركات التي تنتج محليًا، مما يقلل الاعتماد على سلاسل الإمداد الخارجية ويعزّز الإنتاج الوطني.

بالنسبة لعبّار، هذه لحظة مفصلية. “الأمّة القوية تعتمد على الاكتفاء الذاتي. في الأعمال التجارية، كما في الملاكمة، الأساس المتين هو ضرورةً. لدينا الموارد والقدرة على إنتاج سلع عالمية المستوى، ليس فقط للاستهلاك المحلي ولكن للتصدير أيضًا.”

مع ترسيخ السعودية مكانتها كمركزًا رائدًا للأعمال العالمية، يرى عبّار أن روّاد الأعمال السعوديين أمام فرصة فريدة ليكونوا في طليعة هذا التحوّل، سواء في عالم الصناعة أو التجارة أو الرياضة.

“التغيير يحدث الآن والقرار الذكي هو أن تكون جزءًا من هذه النقلة.”

تعكس رؤية عبّار للموضة فلسفته في الحياة، أي أصيلة، عفوية وواثقة. “أعتقد أن لدي أسلوب خاص. أحب التصاميم الإبداعية، لكنني أقدّر أيضًا البساطة. فالموضة بالنسبة إلي تتعلق بإحساس اللحظة أي ما تريد أن أقوله دون التكلم.”

ليس هناك قواعد، بل حرية في أن تكون على طبيعتك.

سليمان عبّار لا يبني مسيرةً لنفسه فقطن بل يشيّد مستقبلًا لوطنه. كل لكمة يوجّهها، كل خطوة يخطوها، كل قرار يتّخذه، هو جزء من شيء أكبر. “في النهاية، الأمر لا يتعلّق بالألقاب أو المال، بل بما تبنيه وما تتركه وراءك.”

هكذا يصنع الإرث…