نقدم لكم نجم غلاف مجلة إسكواير السعودية لصيف 2023 الممثل السعودي صاحب الموهبة الفذة، يعقوب الفرحان.
على خلاف ما يظنه البعض؛ إلا أن تلك الشخصية الشريرة المحبوبة الخارجة عن القانون التي اشتهر بها، بجانب بعض تصريحاته المثيرة للجدل، لا تعكس حقيقة هوية الممثل السعودي اللامع يعقوب الفرحان. تظهر الصورة كاملة عندما يخلع رداء الممثل المحترف عائدًا إلى بساطته الاجتماعية وروحه الظريفة التي ولدت معه، واضعًا النجاح نصب عينيه للارتقاء بتأنٍ واتزان.
الممثل الأربعيني يعقوب الفرحان ذو الملامح السعودية الحادة صاحب الشخصية البسيطة والشفافة والفرادة الفنية، قد يستغرب البعض بأن انطوائيته في الصغر هي أحد العوامل الأساسية التي دفعت به للمسرح والتمثيل، حتى وصل للنجومية بدور “رشاش”، كيف لشخصية خجولة وانطوائية في الصغر، أن تنجذب لعالم الميلودراما الذي يعتمد على المبالغة في الأداء؟ هذه المفارقة تعكس قيمة التمثيل في نفس يعقوب، هي ليست مجرد مهنة للكسب، إنها المتنفس وأداة للصقل الشخصي والفني، حتى مكنته بأن يعبر عما بداخله بلا تردد خلال الشخصيات التي يجسدها بطابع إنساني، لذلك بعض الذين يتابعون يعقوب ويعشقون أدواره على الشاشة الفضية، قد يظنون بأنه شخص ينظر لنفسه بعين التبجيل ولكن الحقيقة مغايرة تماماً، الشخصية التي قابلتها أوضحت لي بأن يعقوب الإنسان عندما ينزع رداء الدور الذي يجسده، يعود لبساطته الاجتماعية في حديثه وتفاعلاته، هي نفس تلك الروح البسيطة التي ولدت معه، ولكن أصبحت اليوم تتسم بالرشد وذلك بتأثير العمر والخبرة، وخاصةً بعد ولادة ابنه يوسف، ومشاعر ومسؤولية الأب ترتقي بالنفس والمنظور.
وعندما يأتي الأمر لمسيرته الفنية نلاحظ التّأني والصقل عبر مراحل متصاعدة يتجلى كل تحول فيها من رحم تراكمية التجارب والمشاركات المميزة المتطورة باستمرار نحو الأفضل، هذه السردية المثلى كما يراها يعقوب التي يتواكب خلالها تزامن النجاح الفني والشهرة مع الرشد والنضج النفسي وتطور الأداء بما يصب على اختياراته المهنية، حتى أصبح أحد أهم وجوه الصف الأول في الدراما والسينما السعودية عبر شخصية رشاش العتيبي الواقعية التي اعتبرها أفضل تجسيد عربي حديث لشخصية البطل الخارج عن القانون، ولا زال في جعبته الكثير ليقدمه.
إسكواير السعودية: مررت بمراحل فنية متعددة متباعدة زمنياً، ولم تصل للنجومية بغمضة عين، ما السبب؟
صحيح أتفق، ولم يكن الأمر بتخطيط مسبق بعيد المدى، ولكن الحقيقة أنه منذ البداية لم أكن مدفوعاً بهوس الشهرة المتعجلة، حيث إني بطبيعتي لا أحب أن أنتقل إلى مرحلة أو أشارك بعمل إلا وأنا أشعر بأنني جاهز له وبإمكاني الإضافة له، وأيضاً لست شخصية تبادر وتطرق الأبواب طمعاً في المكتسبات، أركز فيما أعمل ولدي يقين بأن المجهود والصدق سبب النجاح، وحين ما تُرصد الأعمال التي عملت بها على مدى العقد الماضي مثلاً؛ يُلاحظ استقرار وتطور جودة العمل والأداء وإن لم تكن بنفس الجماهيرية مقارنةً بأعمالٍ أخرى، لذلك مع هذه التحولات لا أشعر بوطأة التغيرات المحيطة عندما أنتقل من مرحلة لأخرى.
إسكواير السعودية: هل تغيرت دوافعك عند اختيارك للأعمال الفنية اليوم، أم هي نفس الدوافع التي كانت في السابق؟
بالعموم لم تختلف المعايير التي تدفعني للمشاركة في عمل تلفزيوني أو سينمائي، ولكن قد يكون التغيير هو في شعوري تجاه الأعمال وطبيعتها وما هي القيمة الجاذبة فيها، سواءً كانت القصة التي أصدقها وتلامسني من الداخل أو زاوية السردية الفريدة أو غيرها، وقد يكون المال هو الدافع أيضاً بشكل واقعي بعيداً عن الطرح المفعم بالشاعرية، ولكن بالمجمل اختياراتي هي انعكاس وتجسيد لحالتي النفسية ومشاعري المتغيرة بفعل عوامل الحياة المتقلبة الواقعة على كل إنسان.
إسكواير السعودية: ما الذي أشعل فتيل الشغف بالتمثيل بالنسبة لك، وكيف دخلت هذا العالم؟
أحب أن أتخيل بأن شغف التمثيل موجود في داخلي منذ الصغر ولكن المؤثرات والمشاهدات التي دفعت بهذه الرغبة أن تطفوا على السطح وتبرز بشكل واضح تعود لطفولتي التي عشتها في جدة خلال الثمانينيات الميلادية، كانت مشاهداتي الأولى التي أسست لي الأرضية لهذا الحب، كانت حينها مقتصرة مشاهدة الأفلام الأجنبية عبر أشرطة الفيديو التي يأتي بها إخوتي الكبار، وما يلتقطه انتل تلفاز بيتنا من قنوات ق1 وق2 المصرية والقناة السعودية الأولى والثانية.
ولكن الدخول الفعلي لهذه الشغف، بدأ في أواخر فترة المراهقة وحتى سن العشرين حينما تحولت ذائقتي السينمائية للمشاهدة والتأثر بأفلام تحكي قصصاً حقيقية عبر شخصيات واقعية، ذات طابع فني صرف، من أوائلها فيلم (تحت أشجار الزيتون للمخرج الإيراني عباس كيارستمي) وما شدني إليه جملة قرأتها في مجلة، تقول بأنه يحتوي على أجمل مشاهد الحب العذري في التاريخ، وأفلام مشابهة كأفلام ويس أندرسون والمخرج التركي نوري بليج جيلانن،هنا بدأت تتشكل الرغبة بأن أكون جزءًا في مثل هذه الأعمال التي أسرتني.
في المرحلة الجامعية كان الإقدام، وجدت أبو الفنون «المسرح» الذي انبثقت منه السينما، كان العالم المثالي لي في تلك المرحلة، بكلاسيكياته الغربية والعربية وأدائه القوي ونصوصه المحاكية للواقع بعبقرية درامية وتحضيرات عروضه الطويلة، ذلك المكان الذي وجدت فيه ضالتي الاجتماعية والفنية وأشبعني وكان بمثابة المدرسة التي صقلت انفعالاتي وصوتي وأدائي ووهبني الثقة، واستمر الطريق بعفوية غير مخطط لها، حتى دخلت مرحلة المسلسلات التي كانت دفعة نفسية للاستمرار حتى اليوم.
إسكواير السعودية: هل على الممثل المحترف أن يكون كاتباً جيداً؟
نعم، من أسوأ الأمور عندما تقرأ نصاً تكون قصته وشخصياته سطحية ذات بعد واحد، لذلك القراءة وتطوير الكتابة مهم بشكل عام للصّناع، ولكنها خاصية محورية بالنسبة للممثل لتأثيرها على فهمه للنص، وتجانس الرؤية مع المخرج والكاتب، كما أنه يصب في تمكين الممثل من فهم حالة الشخصية التي يجسدها وإبراز خصائص فرادتها، عبر الإلمام بخلفيتها الاجتماعية وتاريخها المتخيل، حتى يستطيع أن يبث في الأدوار التي يجسدها عمق إنساني، وبرأيي أن الإحياء الواقعي للشخصية هو واجب على الممثل، كي لا يجسد شخصيات ذات بعد واحد، وهي قاعد أتبعها على الصعيد الشخصي لذلك استمتع بالجلوس مع كتاب النصوص قبل البدء في أي مشروع، والأجمل أن تتناقش مع المخرج الكاتب لتتشكل أمامك الرؤية بوضوح.
إسكواير السعودية: هل تكرار استحضار المشاعر الحادة خلال التمثيل يؤثر بالسلب على نفسيتك؟
حسب العمل والشخصية، ولكن هناك لحظات مهمة في مسار القصة يجب أن تعطيها حقها ولا يكفيها القدرة التكنيكية، يجب أن تبث من داخلك لحظة حقيقية مجسدة لمشاعرك بشكل صادق وطبيعي، بالنسبة لي كثير من المشاعر السلبية التي تخرج من داخلي خلال التصوير يكون لها أثر تفريغي مريح نفسياً، وبالطبع تكون في بعض الأحيان مكلفة مزاجياً عندما تؤدي الشخصية سلبية أو التي تمر بتطورات سلبية ضمن السرد الدرامي، ولكن لا أسجن نفسي داخل تلك المشاعر، عبر الخروج من ذلك الجو بالتشتيت وتغيير المحيط دون أن أضيع النقطة التي وصلت إليها قبل أن يتوقف التصوير.
إسكواير السعودية: هل الممثل الحقيقي لا ينبغي أن يظهر للجمهور إلا عبر أعماله، أم يمكنه أن يصبح شخصية مشهورة حاضرة ومتفاعلة في مواقع التواصل؟
لست ضد أحد ولكن أشعر أحياناً بأن بعض الممثلين يبالغون في تواجدهم على مواقع التواصل، ويعتمد الأمر أيضاً على أهدافك المهنية وملامح الطريق الذي تريد أن تسلكه، بالنسبة لي بطبيعتي أرتاح أكثر بالابتعاد عن الظهور المتواصل في العالم الافتراضي، أنا اجتماعي في محيطي ولكن يمكن وصفي (بالبيتوتي) وأثمن خصوصيتي جداً، سبب غيابي عن مواقع التواصل الاجتماعي قد يدفع بفكرة أنني شخص صعب أو مغرور لكن عند احتكاكي المباشر مع الناس، أكون على طبيعتي البسيطة، التي تبين بطلان هذه الصورة.
إسكواير السعودية: كيف تتعامل مع فضول الجمهور ومحاولة تتبع حياتك الشخصية، خاصةً بعد دور رشاش؟
أتعامل مع الأمر ببساطة وبلا ردود فعل مبالغة، في السابق حققت شهرة جيدة عبر أعمالي، ولكن بعد رشاش شعرت بموجة النجاح والشهرة الواسعة التي لم أكن أتوقعها وهي نعمة وهدف يطمح له أي ممثل، لكن أنا من الذين يحرجهم المدح المباشر لذلك عانيت من بعض القلق في البداية لكن مع الوقت تعلمت أن أتعامل مع الأمر باتزان، وعندما يتفاقم الترحيب والتصوير ويصبح مندفع في مكان عام أو ما شابه، أستطيع أن أنوه عن عدم ارتياحي بأدب، وطبيعة الجمهور السعودي واعية ومتحضرة تحمل شيم الاحترام.
إسكواير السعودية: ما هي الأفلام التي يمكن أن تشاهدها مرة تلو الأخرى بلا ملل؟
فيلم توم هانكس يو جوت ميل. وبالطبع فيلم الجاد فاثر كما هو الأمر بالنسبة للكثير من الناس، والفيلم المصري القديم حياة أو موت.
إسكواير السعودية: بموجب اطلاعك في المحيط الفني السعودي، ما هي أبرز الأسماء التي تستمتع بمشاهدتها والأسماء الصاعدة المُترقبة؟
إبراهيم الحجاج أقدره كإنسان هو أحد الممثلين القلة الذي بإمكانه أن يُضحكني ويُبكيني، ومن مجموعة الأسماء الشابة الذين يحتاجون لفرص لكي يتطوروا ويَبرزوا على الساحة، مثل سعد عزيز هو ممثل يمكنه أن يتحول ويتلون عبر أدوار مختلفة، وكمخرجين أحب مشتبه سعيد الذي يمتلك الاحترافية والمنظور المميز وسيكون لي تعاون سينمائي قريباً معه، والمخرج توفيق الزايدي يعجبني نهجه الهادئ في الطرح، وكممثلات، أيدا القصي التي تمتلك تلقائية جميلة وتتجاهل الزخم المحيط لتركز في أعمالها، وأيمن طاهر وهو أخ وممثل متمكن يحتاج لفرصة دور نوعي ليبين إمكاناته، وغيرهم الكثير من الأسماء التي لها مستقبل واعد.
إسكواير السعودية: أنت شخص قارئ ومطلع وبلا شك لك آراء، هل تُعرض عن مشاركتها في الرأي العام كي لا يتم فهمها بشكل خاطئ؟
بصراحة أنا أحتفظ برأيي بشكل عام ولكن حسب الموضوع المطروح في الحيز العام واتجاه الحوار، أحب أن أشارك برأيي في دائرتي الاجتماعية التي أرتاح ضمنها، لكن على النطاق العام أتجنب المشاركة حتى لا تتم إساءة الفهم، خاصة وأن الشهرة توجب عليك أن تنتقي كلماتك ومكان طرح أفكارك.
إسكواير السعودية: اختفيت ولم تطرح أي عمل خلال السنة الحالية، ما سبب هذا الغياب؟
كنت بحاجة لأخذ بعض الوقت بعيداً عن العمل لأسباب شخصية أهمها هو الحاجة الملحة بأن أكون بالقرب من ابني يوسف، الذي سيكمل خمس سنوات بعد ثلاثة أشهر، خاصة وأني خلال الثلاث سنوات الماضية كنت بعيداً عنه نسبياً بموجب المشاريع المتتابعة التي عملت بها بلا توقف، بالإضافة لحاجتي أن أبتعد قليلاً لأهتم بنفسي على الصعيد الذهني وأخفف من حدة تسارع الأعمال التي تأخذ كل وقتي وتفكيري، مع أن طبيعة شخصيتي لا تستطيع أخذ استراحة أو إجازة ولكن أجبرت نفسي على ذلك، وهنالك أعمال قادمة سعيد بها.
ما هي أهم أعمالك القادمة المُترقبة؟
أهمها فيلم نورة الذي سيتم عرضه في شهر أكتوبر أو سبتمبر، هو أول فيلم تدور قصته بالكامل في منطقة العلا، صورته السنة الماضية بالتعاون مع المخرج والصديق العزيز توفيق الزايدي الذي كنت أترقب العمل معه منذ سنوات، هو أول أفلامه الروائية الطويلة، وأيضاً أول عمل أكون جزءاً منه منذ مرحلة الفكرة الأولية في 2018 وحتى النهاية من التصوير، تدور أحداثه في فترة التسعينيات الميلادية ليجسده تلك المرحلة مع أبعادها الاجتماعية الثقافية وصراعاتها التي تم طرحها بشكل منصف، والفيلم ذو رتم سينمائي هادئ مفعم بالواقعية، معظم المشاركين فيه هم أشخاص عاديين، ليس هناك ممثلين غيري أنا والفنان عبد الله السدحان الذي سيظهر بدور وأداء مختلف بالإضافة للوجه الجديد لمريم بحراوي. أظن أنه فيلم غير تقليدي سيعجب المشاهدين وهناك عمل عالمي انتهيت من تصويره، هو مسلسل قصير تشارك به أسماء عالمية وسيكون مفاجئة ولكن لا أستطيع التحدث عنه سيتم الإعلان عنه قريباً، وسيكون لإسكواير السبق في لقاء بعد الإعلان عنه.
إسكواير السعودية: ما رأيك في حالة ومستقبل المشهد السينمائي السعودي، والأعمال المُنتجة من قبل الحكومة مقابل الشركات الخاصة؟
اليوم المساحة مفتوحة للإبداع في نطاق الأفلام، لا زلنا نجرب ونُكوِّن ملامح دمغدتنا الإبداعية الخاصة، وأنا متفائل لأن واقعنا وثقافتنا غنية بقصصنا الخاصة، صحيح أنه لا زال هنالك مساحة للتطوير من جانب الكوادر المحترفة في الأقسام المتعددة التي تقوم عليها صناعة الأفلام، الطريق مفتوح للجميع ليحكي قصته، لكن يجب أن يعمل بشغف وهوس ليتطور في مراحل ما قبل الإنتاج عبر ورشات العمل والتجربة، وأرى هناك من يفعلون لذلك. سنرى أعمالاً سينمائية في السنوات القادمة سترتقي بالمشهد السينمائي السعودي.
لا يوجد عالمياً قطاعات إنتاجية خاصة بالكامل، كل الدول لديها صناديق دعم، وجهات الدعم الحكومية في السعودية تعطي الصناع الحرية في الطرح إذا وجدت المحتوى الجيد مثل صندوق مهرجان البحر الأحمر، وبرأيي سيتقلص هذا الدعم مستقبلاً عندما يستطيع القطاع أن يقف على قدميه تجارياً، وهو ليس بالمنظور البعيد نظراً لوجود صالات عرض متزايدة، وإقبال جماهيري، إذا توفرت الجودة والاحترافية، كما رأينا في تجربة فيلم سطار الذي أنتجته شركة تلفاز ونجح نجاحاً ساحقاً تجارياً وخرج بمدخولات أربعة أضعاف تكلفته الإنتاجية، وفتح الطريق أمام صنّاع الأفلام.
إسكواير السعودية: هل تطمح للوصول إلى العالمية ؟
لا يتملكني هذا الهوس، ولكن سأكون سعيدًا إذا عُرض علي دور مناسب أو نص يحتوي على قصة مميزة أو تعاون مع مخرج كبير أريد العمل معه، فهي نفس المعيارية، لا أريد المشاركة في فيلم لمجرد تسجيل حضوري على الساحة العالمية، لكن الأفضل عندي هو أن أستمر بمشاركتي بأفلام محلية ترتقي وتصل لجودة وإتقان يدفع بها للمهرجانات العالمية.
يمكنك قراءة العديد من المواضيع الشيّقة في عدد الصيف من مجلة إسكواير السعودية 2023
فريق العمل:
حاوره: عبدالرحمن زكريا
تصوير: aminazaher
أزياء: Nour Bou Ezz
مكياج وتصفيف شعر: Jac Ludlow