يأتي عيد الفطر بعد الشهر الكريم الذي يتمحور حول العبادات، ليبث في قلوب الجميع مشاعر الحب وتمني الخير للآخرين، ويرسل كل شخص برسائل التهنئة والمعايدة لأحبابه وأقاربه وأصدقاه بمناسبة قدوم عيد المسلمين.

مظاهر عيد الفطر
في صباح يوم العيد يتوجه الجموع من الشباب والرجال والنساء للمسجد لأداء صلاة العيد وسماع التكبيرات وترديدها وهي من الأشياء التي تبث بالبهجة والسعادة في النفوس، فبمجرد غروب شمس ليلة العيد يبدأ المؤذنون في المساجد بالتكبير ويرددون خلفهم الأطفال الصغار و حتى الكبار، بالتأكيد فهي فرصة رائعة للقاء الجيران وتهنئتهم. بعد ذلك تجتمع العائلة على مائدة واحدة لتناول فطور العيد سوياً. وغالباً ما تكون الأكلات الشعبية.

وتبدأ مظاهر الإحتفالات بعد صلاة العيد مباشرةً، بدءً من توزيع الحلوى والهدايا على الأطفال وفناجين القهوة السعودية المقدمة مع أبتسامات الفرح وكلمات الترحيب والتهنئة، وبعد ذلك تبدأ المعايدة بزيارة الأقارب وخاصة كبار السن والمرضى والأصدقاء، يهنئ المسلمين بعضهم البعض، بقول “عساكم من عواده” و”كل عام أنتم بخير”، وتبدأ الزيارات إلى البيوت التي لا تخلى من القهوة العربية والكثير الحلوى المشهورة مثل الكليجة والديبازة والمعمول والشكولاته والعصيرات وغيرها حتى تملئ العروق بالسكريات.

تفرد السعودية بإحتفالاتها التي تتمتع بخاصية التنوع ،دوناً عن غيرها من الدول المجاورة، على سبيل المثال تختلف مظاهر الإحتفال في منطقة عسير عن الرياض وأبها، من نواحي الأكلات التقليدية المقدمة للضيوف والملابس الرسمية التي تدل على التاريخ الخاص بالمنطقة كالثوب والشماغ والعقال والمشلح لاهل نجد و العمامة الملونة والسديري الأنيق لأهل الحجاز .

ونرى هذا التنوع في الفنون الشعبية الفلكلورية المختلفة التي تؤديها فِرَق متخصصة كالعرضة السعودية في نجد، والسامري وهو فن غنائي شعبي من الشعر النبطي، والمزمار في جدة و مكة، والدحة في مناطق الشمالية التي تطغى عليها قبائل عنزة وشمر، والخبيتي في رابغ وينبع.

وتشتهر الأعياد في مجتمع القرية بالإفطار الجماعي البسيط المفعم بالحياة الذي تستطيع لمس روح الأخاء والبساطة التشاركية، في الحارة أو الحي القديم الذي يعرفون أهله بعضهم على مدى أجبال و عقود، حيث يُحضر كل شخص طبقاً منزلياً مميز ليأكل منه جميع الحضور، ولازال يلتزم رجال هذا المجتمع والذي بدأ بالتاكل متأثراً بمخرجات العولمة السائدة الحداثة العاتية، لازالرجال بعض القرى يقوموا بجولة شاملة لزيارة منازل الحي أو القرية أو بمعنى أصح مجالسهم التي قد تكون في الكثير من الأحيان من بيوت شعر.

وتٌفرد هذه مائدة الحميمية الجامعة ليجلسوا عليها العوائل معاً و يأكلو و يتحدثوا، وتتنوع المأكولات الشعبية التقليدية في العيد من منطقة إلى أخرى، على سبيل المثال يقدموا أهل المنطقة الجنوبية لضيوفهم أطباقاً كالعريكة والعصيدة والمبثوث إضافةً إلى القهوة والشاي بالطبع، وفي منطقة مكة تُقَدم أطباق الحلوى مثل الكنافة والبسبوسة واللقيمات والطرمبة والزلابية، وفي منطقة الرياض هناك أطباق شعبية تقدم في العيد مثل الحنيني والمطازيز والمرقوق والجريش، كلٍ له قائمة طعامه الخاصة التي تعتبر نافذة للثقافة والإرث.

العيدية في التاريخ الإسلامي
العيدية التي يطلق عليها أيضاً في المملكة، اسم “الحوامة” أو “الفرحية” و”الحقاقية”، كان أول ظهور لها في التاريخ الإسلامي في مصر خلال العصر الفاطمي، حيث كانت تُقدم العيدية من السلطان أو الحاكم إلى الأمراء وكبار رجال الجيش والدولة، وتختلف قيمتها حسب الرتبة والمكانة الإجتماعية، فهناك أشخاص كانوا يحصلون على دنانير ذهبية، وآخرون فضية، في حين كان الأمراء والشخصيات الهامة وكبار رجال الدولة يحصلون عليها في صورة طبق مملوء بالدنانير الذهبية وكانت تعرف باسم “الرسوم” و”التوسعة” وفقاً لما رصده المؤرخ المقريزي.

و تطورت العيدية بعد ذلك بفترة وجيزة، حتى أخذت الشكل الذي نعرفه في عصرنا الحالي، وأصبح الفاطميون يحرصون على توزيع العيدية مع كسوة العيد على المواطنين بالإضافة إلى توزيع الدراهم الفضية على الفقهاء وقراء القرآن الكريم عند ختمهم للقرآن الكريم قبل ليلة العيد، كما حرص الخلفاء الفاطميون على نثر الدراهم والدنانير الذهبية على الرعية الذين يأتون إلى قصر الخلافة صباح يوم العيد.
.
إلى أن أخذت العيدية الشكل الرسمي في العصر المملوكي وهي الحقبة التي عقبت الحكم الفاطمي وقامت على أنقاضه، وكانوا يطلقون عليها مسمى “الجامكية” ومعناها المال المخصص للملابس وكانت تتراوح قيمتها حسب الراتب فكانت عبارة عن دنانير من الذهب للبعض، أو من الفضة، ثم تغيير وصفها إلى العيدية

وإختلفت طريقة تقديم العيدية خلال العصر العثماني، فكانت تٌقدم للأطفال في صورة نقود، بدلاً من تقديمها للأمراء، بما أن معظم الأقطار العربية كانت في وقت من الأوقات تحت الحكم العثماني بوجب التأثير وتطور العادة ألى أن تصبح من السنن الإجتماعية، تبنت ثقافتنا هذه العادة الحميدة، و أصبحت من أساسيات العيد وإستمر ذلك التقليد حتى وقتنا الحالي، حيث لازال ينتظر الأطفال والذين لا نستطيع تسميته إلا المتعلقين بأطراف ثوب الطفولة خوفا من السقوط في واقع الرشد، نقود العيدية من الأب والأم والأقارب بعد صلاة العيد مباشرةأو قبلها حسب العادة السائدة، التي يٌفضل أن تكون نقودا جديدة.