صالح أبو عمرة يضع بصمته الخاصة في الكوميديا السعودية

نقدم لكم نجم غلاف مجلة إسكواير السعودية لخريف 2023 الممثل السعودي الموهوب، والوجه الكوميدي الجديد، صالح أبو عمرة.

يتبنى الممثل السعودي الموهوب صالح أبو عمرة “الضحك” كرسالة سامية نحو النجومية، فكيف تمكن الفنان الصاعد من إعادة ابتكار كوميديا سعودية فريدة بطريقته الخاصة؟

الضحك؛ لغة عالمية عابرة للقارات قادرة على اختراق قلوب الجميع دون عناء يذكر. يعتلي الضحك وجه الطفل الرضيع حتى قبل تحدثه، وجُبلنا جميعًا على التعامل مع هذه الأداة المذهلة والقادرة على انتشالك من الواقع ونقلك إلى عالم آخر، حيث لا وجود للحزن والبؤس والكدر.

يتبنى الممثل السعودي صالح أبو عمرة لغة الضحك بل ويصفها برسالته الأسمى التي يسعى لها خلال مسيرته الفنية، وبالفعل؛ عند التفتيش في أعماله، يمكننا ملامسة حالة كوميدية فريدة غير معهودة على الجمهور المحلي، بدءًا من برنامج “روايا” في اليوتيوب ووصولًا إلى مسلسل سكة سفر. فكيف تمكن الممثل السعودي الصاعد من إعادة ابتكار مفهوم “الضحك” بطريقته الخاصة مع انطلاقة مسيرته الفنية؟

ولد صالح أبو عمرة في النماص جنوب المملكة العربية السعودية، وترعرع وسط جبالها ومزارعها في بيئة بسيطة وغير معقدة، تلك البقعة الهادئة رسمت ملامح الضحك لدى صالح منذ نعومة أظافره، كانت الضحكات الرفيق والمؤنس في طفولته. يصف صالح أيام الصِّبَا قائلًا: “كانت طفولة بسيطة في بقعة هادئة ومريحة على جميع الأصعدة؛ الناس والبيئة والطبيعة والأسرة، في القرية أنت لا تعيش في أسرة صغيرة بل ضمن أسرة كبيرة ممتدة بين أهل القرية، أعتقد أنها طفولة طبيعية جدًا وغير معقدة وسط الطبيعة الخلابة”.

تحتل الكوميديا مكانة مهمة بين أهالي جنوب المملكة العربية السعودية، ويصف صالح أهالي قريته بـ”أفضل الكوميديين في المنطقة”، رسمت مجالسهم ضحكات من نوع آخر، مبتعدةً عن التكلُّف كل البعد، قريبةً من القلب والنفس بطابعها البسيط والمألوف، دون الحاجة للالتزام بالموضعية والرسمية في الكثير من الأحيان. ويضيف صالح: “مجالسنا لا تميل إلى الرسمية بل إلى الفكاهة والمرح، يحبون الضحك والكوميديا وكأنك في مسرح حي، يبرعون في إلقاء النكتة ويتفننون في رسمها”.

هذه الروح الكوميدية أثارت تساؤلي! كيف امتلكوا هذه الروح المرحة وسط قساوة الحياة نسبيًا في البيئة القروية؟ يبدو سؤالًا معقدًا للوهلة الأولى، إلا أن الإجابة لم تكن بهذا التعقيد لصالح أبو عمرة الذي ترعرع بينهم: “الحياة هنالك مزدحمة ومليئة بالمشاغل، ولدى أهالي القرية لحظات لا يودون التفريط بها وإفسادها بالتضجر والممل، فكان الضحك هو البديل المثالي، كنت أغبطهم على ذلك، وأيقنت حينها أن هذه الحياة هي التي أصبو إليها”.

تلك المعادلة الفريدة أسهمت في صناعة شخصية صالح ورسمت أولى ملامحه الفنية، إلا أن الطفولة القروية سلاح ذو حدين، فابن القرية لا يملك الرفاهية لاختيار مهنته والبحث عن شغفه المزعوم، بل كان محصورًا على العمل والحصاد تماشيًا مع الجماعة، وتحتم على صالح البحث عن منفذ آخر لتحقيق تلك الفرصة:

“سعيت جاهدًا لبناء نقطة تحول خاصة بي، صنعت العديد من الفرص، وأخرجت الفشل من قائمة الخيارات المتاحة، لم يكن خيارًا سهلًا آنذاك، ولكن الظروف المعقدة هي من صنعت صالح في نهاية المطاف.”

صالح أبو عمرة

وجد أبو عمرة نفسه مجبرًا لمغادرة مسقط رأسه، والإبحار نحو وجهة جديدة للبحث عن شغفه في التمثيل وصناعة الكوميديا، كانت رحلة قاسية في مستهلها، مليئة بالعقبات والعثرات، وخالجها الإحباط والخوف من الفشل، ولكن شعورًا داخليًا أرغمه على الاستمرار قائلًا: “امتلكت هذا الإحساس منذ طفولتي، لدي شيء أود تقديمه للناس، وكل من رآني شاركني ذات الشعور، اعتدت في صغري وشبابي على الوقوف أمام المرآة وتأدية الأدوار وتقديم النشرات الإخبارية، استعدادًا مني إن حان دوري”. بعد مضي السنوات متنقلًا بين مدن المملكة، لمعت لصالح فكرة جديدة، وقرر حينها العودة إلى جنوب المملكة، وتحديدًا مدينة أبها، ليرسُم فصلًا فنيًا جديدًا.

فلنتوقف هنا لوهلة، لنأخذ لمحة سريعة عن الحالة التي عايشتها المملكة مع بزوغ عصر وسائل التواصل الاجتماعي. في بدايات ومنتصف العقد الماضي؛ اكتسح صنُاع المحتوى الساحة الإعلامية في المملكة العربية السعودية، في المنطقة الغربية ظهرت شبكة “يوتيرن” وفي جعبتها العديد من البرامج ذات الطابع الكوميدي، وفي المنطقة الوسطى قدم شباب “تلفاز11” برامج مذهلة حظيت بإعجاب الجمهور المحلي، حيث امتازت بطابعٍ كوميدي مألوف، وتطرقت للقضايا الاجتماعية. من هنا وجد صالح أبو عمرة فجوة وجب عليه ملؤها، فالبرامج المذكورة آنفًا لم تستهوي الجمهور في جنوب المملكة العربية السعودية، وهو جمهور مختلف ويتطلب لغة خاصة كما يصفهم أبو عمرة.

“في ذلك الوقت لم يكن هنالك برامج موجهة لجمهور الجنوب، وقررت أن أطلق برنامجي الخاص “روايا” على منصة اليوتيوب متقمصًا جلسات الجنوب على الطريقة المحلية والمليئة بالطرفة التي لا تعكس الموضوعية بالضرورة، الأمر الذي أثار استياء البعض، وإعجاب الكثير. قدمت للجمهور كوميديا تلامسهم، وتطور البرنامج شيئًا فشيئًا.”

صالح أبو عمرة.

العلامة الفارقة: التلفاز

خرج صالح من تجربة “روايا” بالعديد من القصص والانطباعات، وقرر حينها الاختفاء عن الساحة الفنية لفترة قصيرة، ليعود مجددًا بشخصية جديدة تمامًا، تصبو للمضي قدمًا في عالم التلفاز والمسلسلات، بمثابة فصلٍ جديد لا عودة فيه، ويعلق: “عقب انتهائي من برنامج “روايا” على اليوتيوب، تواريت عن الساحة الفنية لفترة، وعدت بشخصية جديدة، حينها تلقيت اتصالاً من أحد المنتجين بخصوص عمل تلفزيوني، قرأت النص وأعجبت بالشخصية التي عرضت علي، وكانت شخصية “وليد” من مسلسل فندق الأقدار، وهي مشاركتي الأولى في عالم التلفاز. لم تكن شخصية “وليد” محورية ولكنها حظيت بإعجاب الجمهور، وسعدت كثيرًا بهذه الفرصة التي مكنتني لتقديم ما أملك.”

يعد مسلسل “فندق الأقدار” الانطلاقة الأولى لصالح أبو عمرة في عالم التلفاز، ولكن “سكة سفر” يجسد القيمة الجوهرية التي لطالما حلم بها صالح على مر الأعوام، ليقدم حالة كوميدية مبتكرة تلامس واقع الطرفة المحلية، بلغة قريبة من الشارع السعودي، وأحداث ذات صلة وثيقة بثقافتنا، أُعِد النص الرئيس ليلعب أبو عمرة دور “ناصر” ولكن الظروف حالت دون ذلك ليجد نفسه مؤديًا شخصية “خالد” التي تطورت على مدار الموسم الأول والثاني بصورة فنية جميلة تتماشى مع صالح ولغة جسده.

يعود نجاح مسلسل سكة سفر إلى “الروح” كما يصفها أبو عمرة، مضيفًا: “سكة سفر ليس نصًا فقط، بل حالة فنية وشعور لحظي. تداركنا المشاهد بصورة لحظية، وارتجلنا لتقديم أفضل ما لدينا.” أشرف على النص أكثر من 12 كاتبًا، ولكن نجوم المسلسل، صالح أبو عمرة وسعد عزيز ومحمد الشهري، حرصوا على التعديل على النصوص بما يتماشى مع تصورهم الكوميدي ليلامس الجمهور والشارع بلغة واقعية دون تصنع.

“كنت متخوفًا عند قراءتي للنص للمرة الأولى، لم يكن النص الأولي مذهلًا، وقد كتب بطريقة لم تعد مناسبة للجيل الحالي، حرصنا على تقديم كوميديا الموقف ومَنَحنَا المخرج الضوء الأخضر لإجراء التعديلات المطلوبة، يمكنني القول وبكل ثقة أن 80% من النص المعروض لم يكن ضمن النص الأولي، وتأثيرنا على النص كممثلين بات واضحًا.”

صالح أبو عمرة

في الموسم الثاني من مسلسل “سكة سفر” رأينا خالد بطابع درامي غير مألوف، حين وقع في حب ابنة عمه “صافي” في حبكة درامية واقعية لأبعد الحدود، ومشاهد مليئة بخجل الحبيب وتردده بين الإقدام والإحجام، الأمر الذي فتح باب التساؤلات؛ هل يخرج صالح من قالب الكوميديا إلى الدراما؟ يجيب: “نعم بالتأكيد، لن أحصر نفسي في الكوميديا فقط، وحرصت على تقديم جانب درامي ميال للواقعية، لم تكن نهاية حالمة كما تمناها الكثير، ولكنها تعكس الواقع على نحو مؤثر.”

المكتب

أثارت النسخة السعودية من مسلسل المكتب جدلًا واسعًا بين الأوساط الجماهيرية وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وطالته الانتقادات لتقديمه كوميديا غير متجانسة مع الطرفة المحلية كما يقول البعض، ويكشف صالح لمجلة إسكواير السعودية عدم رضاه عن النص الأولي عند قراءته، وبعد سلسلة من محاولات الإقناع المصحوبة بحبه لخوض غمار التجربة؛ قرر أبو عمرة المشاركة على الرغم من تحفُّظاته، يقف خلف هذا التخوف حبه وتعلقه الشديد بالنسخة الأصلية من مسلسل “المكتب”، يعلق صالح: “لست من محبي النصوص المقتبسة، وودت أن يزخر العمل بالكوميديا المحلية ليمتاز عن غيره، وحرصت على تقديم أفضل ما لدي. وعلى الرغم من ذلك لامست إعجابًا بالشخصية التي أديتها، وأرحب بالنقد دائمًا.”

بالحديث عن النقد، يملك صالح منظوره الخاص لذلك، إيمانًا منه بأن النقد جزءٌ أصيل من هذه الصناعة، مؤكدًا تقبله التام للنقد الذي طاله وطال العمل، مشيرًا إلى أن شخصية الممثل يجب أن تتحلى بالجرأة لنقد أعماله أولًا قبل كل شيء، ويضيف: “أعتذر لجمهوري إن خذلتهم، أعتقد أن النسخة السعودية من مسلسل المكتب كان يمكن تقديمها بصورة أفضل، خصوصًا من ناحية النص، ليقدَّم بهيئة محلية أكثر تماسكًا، في كل الحالات لم يكن سيئًا كما يروج له البعض.”

إسكواير السعودية: ما هي فلسلفة “الضحك” لصالح أبو عمرة؟
صالح أبو عمرة: أرى الضحك كأسلوب حياة لتخطي الصعوبات، وعلاج في الكثير من الأحيان، إن لم تضحك فأنت تعاني من أمرٍ ما، “الضحك” رسالتي في هذه الحياة، وسعادتي لا توصف عندما أرى أحدهم مبتسمًا بسببي.

إسكواير السعودية: كيف ترى الكوميديا السعودية اليوم؟
صالح أبو عمرة: الشعب السعودي كوميدي بطبعه، نلامس الكوميديا في كل مكان، وهي انعكاس لحالة الشارع، وإن امتلكت الكوميديا السعودية الأدوات اللازمة ستكتسح بلا شك.

إسكواير السعودية: هل يملك صالح منظورًا كوميديًا خاصًا؟
صالح أبو عمرة: لا أود القول إنني قدمت كوميديا جديدة على العالم، ولكن ما قدمناه في سكة سفر بمثابة كوميديا منقطعة النظير في الساحة الفنية السعودية، قدمنا حالة كوميدية غير مألوفة، لامست الجمهور بصورة واضحة.

إسكواير السعودية: أعمالك القادمة؟
صالح أبو عمرة: سنباشر العمل على الجزء الثالث من مسلسل سكة سفر، وستكون نسخة رائعة بإذن الله، وأعمل على العديد من الأعمال ولكن لا يمكنني الكشف عنها الآن، أحاول التركيز على الأعمال الحالية لتقديم أفضل أداء ممكن.

إسكواير السعودية: هل هنالك دور معين تحلم بتأديته في المستقبل؟
صالح أبو عمرة: أتمنى أن أقوم بتأدية دور لشخصية تاريخية من الجزيرة العربية، ولا يشترط بالضرورة أن تكون واقعية، شخصية من أبطال الجزيرة تمثل حقبة تاريخية وتحارب عن مبادئ وكرامة، هذا الاتجاه الفني يأسرني ولم يُتطرق له بالشكل الكافي، والجزيرة العربية تزخر بهذه القصص وآمل لتقديم إحداها.

إسكواير السعودية: نجمك المفضل عالميًا ومحليًا؟
دانيال دي لويس عالميًا، حيث قدم العديد من الأدوار المذهلة، وكسب احترام الجمهور، ومحليا أحب بكر الشدي ومحمد العلي، طفولتي ارتبطت بهم، وهم بمثابة مصدر إلهام.

إسكواير السعودية: هل نرى صالح أبو عمرة في شاشة السينما؟
صالح أبو عمرة: نعم لدي خطة للتوجه إلى السينما، ما زالت خطة أولية، ولكن السينما هي خطوتي القادمة.

يمكنك قراءة العديد من المواضيع الشيّقة في عدد الخريف من مجلة إسكواير السعودية 2023.

---

فريق العمل:

حاوره: عثمان سنبل

تصوير: أوسكار مونارت

أزياء: Nour Bou Ezz

مكياج وتصفيف شعر: Merhan R

موقع التصوير: Fairmont Riyadh

المنتج: Steff Hawker

Grooming: Chaps & Co