الإكتئاب هو وصف لحالة نفسية متشعبة تختلف في المسببات، و حدة الحالة وطريقة العلاج، و بما أننا نعيش في عالم ينظر إلى الأمراض النفسية بعين الإستيعاب المبالغ فيه في بعض الأحيان، المبالغة التي قد تكون مؤثر سلبي على العقل الجمعي، خاصةً في المجتمعات الشرقية، التي كانت تنظر الى من يفصح بأنه الإكتئاب بأنه ضعيف أو منتقص للرجولة بمعناها التقليدي المتجذر في القيم العربية،

حيث أنه عند العرب الرجل لا يشتكي أو (يتحلطم) أو بمعنى أصح ليس لديه المساحة لكي يحلل مشاعره و يُعالجها، ولكن يكبتها ويتفرغ للإلتفات لمسؤولياته الأهم، وحالياً أصبح العكس هو الصحيح، حيث أن الكثير منا أصبح يحاول أن يعرف ماوراء كل شعور يراوده، ويلتمس سبب مرضي في كل مره يشعر فيها بالضمور الداخلي المؤقت أو الحزن الطبيعي وهو التناول الخاطئ، خير الأمور أوسطها، هي فلسفة إسلامية تعمل على تمكين التوازن في أي منطلق حياتي ، لذلك يجب علينا النظر من خلال عدسة تدفع الفرد على فهم الصحة النفسية بتجرد بلا التوغل في عالم موازي تدفعه المشاعر والأهواء المتقلبة، لينتهي بتشخيص الحالة وطِلائها حتى يصبح التوهم حقيقة مسلمة منبثقة من المنظور الرغبوية، فا ليس كل من يحزن لوهلة هو مصاب بالإكتئاب،

فإن مشاعر الحزن والسعادة و الملل و الضيق و العصبية ليست إلا تحولات يومية طبيعية مكملة لبعضها البعض، فا على سبيل المثال كيف يمكن أن يشعر المرء بالسعادة بكماليتها بلا أن يكون قد شعر بالحزن و الملل قبل ذلك، ألوان الصورة ليست زاهية دائماً فا الرمادية والسواد هو ما يساعد المرء على تقدير والإستمتاع بالنور، ومع ذلك هناك حالات مختلفة ودرجات متنوعة من الإكتئاب والتي يتعامل معها الطب النفسي بشكل جدي منها الحالة الحادة الإكلينيكية التي يتم معالجتها بالإستعانة بالأدوية

ولكننا سنختص بالذكر بما يُسمى بإكتئاب ما بعد العطلة أو متلازمة إكتئاب ما بعد الإجازة التي تختلف أعراضها بناءً على فردانية الشخص، بما أن الوقت الحالي هو لحظة عودة الكثير من الموظفين إلى اعمالهم بعد إجازة عيد الأضحى المبارك.
يتفق الأغلبية بأن العطلات لها أثر إجابي على عموم الصحة العقلية للفرد، فقد وجدت إحدى الدراسات أن سياسات مكان العمل التي تسمح باجازة لمُدّة 10 أيام مدفوعة الأجر تمكنت من تحقيق إنخفاض بنسبة 29% من حالة الاكتئاب بين النساء، كما خرجت الكثير من الدراسات بأن الإجازات يُمكنها أن تَحُد من التوتر وتُعزِّز من قابلية الفرد بإحساسه بالرفاهية، لكن هذا الجانب الإيجابي لا يُمثِّل كل ما توصل إليه الباحثون، فقد وجدوا، من ناحية أخرى، أن جرعة السعادة و المُتعة اللحظية التي نشعر بها في العطلة في أغلب الأحيان ليست مستدامة، عندما تنتهي الإجازة ويعود كلً إلى واقعه و روتينه المعتاد،

حيث أن الناس يعودون إلى مستوى السعادة التي سبقت عطلتهم في غضون أيام معدودة، والأسوأ من هذا هو أن البعض قد يتمالكه شعور في آخر يوم أو ليلة من الإجازة بمشاعر ثقيلة من الحزن والقلق والتوتر بسبب إدراك أن عليهم في اليوم التالي الذهاب إلى العمل والعودة للواقع الملل و كأنهم كانوا في حلمٍ جميل فاقوا منه، و الجدير بالذكر بأن هناك العديد من الأعراض المشتركة للذين بصابون بإكتئاب ما بعد العطلة منها: الأرق وعدم التمكن من الوصول لمساحة ذهنية خالية من التوتر تمكنهم من النوم العميق، وإنخفاض الطاقة الجسدية والذهنية بموجب قلة النوم ، لينبثق من ذلك التهيج والعصبية، وصعوبة التركيز، القلق غير الطبيعي.
يرى بعض الباحثين أن المُتسبب الرئيسي في حدوث اكتئاب ما بعد الإجازة هو “الأدرينالين”، فتوضح الدكتورة إيلين كينيدي مور، أخصائية علم النفس السريري في برينستون، نيوجيرسي، أن الانسحاب المفاجئ لهرمون الأدرينالين بعد حدث كبير، سواء كان حفل زفاف، أو موعدا نهائيا مهما، أو الإجازات، يمكن أن يكون له تأثير عميق على صحتنا البيولوجية والنفسية، كما يحدث لأكبر النجوم الغناء و الكوميديا الذي يأدون عروض حية مليئة بالحماس والمتعة، ما إن إنتهت تواجدهم على المسرح وإنقضت معها النشوة، يتخللهم الشعور بالحزن.

وهناك من يرى بإن من الأسباب المحورية لحدوث اكتئاب ما بعد الإجازات، هو أن الإجازات هي المدة الوحيدة التي ينقطع فيها مسار الحياة المُعتادة (الروتين) التكرر، لذلك، خلال هذا الوقت يُبالغ العقل في رؤية حقائق الحياة اليومية بشكل قد يكون سلبيا أو ثقيلا، مما يجعل العودة إلى الحياة اليومية تبدو أكثر إثارة للقلق والاكتئاب بشكل غير متناسب مما هي عليه في الواقع. يحدث هذا حتى وإن لم تكن عطلتك سعيدة ومشرقة.
وهناك منظور إستنتاجي مغاير بعض الشيء، تعبر عنه الدكتورة ميليسا واينبرغ، طبيبة نفسية متخصصة في علم نفس الأداء والرفاهية، بأن هذا الشعور رغم ثقله لما يحمله من حزن وإكتئاب فإنه علامة على الأداء النفسي السليم. كتبت واينبرغ لصحيفة “نيو ديلي البريطانية” :
“تعكس حالة اكتئاب ما بعد الإجازات عادة التكلفة العاطفية للاستمتاع بأسابيع قليلة من المرح، يحدث هذا على الرغم من أن كثيرين قد لا يشعرون بمستوى عالٍ من المتعة أو الاسترخاء أثناء العطلات.
الدكتورة ميليسا واينبرغ
بالنسبة للكثيرين، قد يخرج من رحم العطلة نفسها سلبيات تدفع بالكثير من الإحباط، لأسباب عدة إما لتأخر الرحلات الجوية، والمفاجئات الغير سارة في طبيعة بيئة مكان العطلة التي لا تتطابق مع الصور التي شاهدوها على الإنترنت قبل الحجز، بالإضافة إلى إرهاق السفر، عدم اليقين بشأن مكان تناول الطعام أو ما يجب القيام به. لكن رغم كل هذا، فما يحدث هو أن العقل على الأغلب لن يبروز هذه الذكريات، بل سيتذكر بشكل أكثر وضوحا أجزاء العطلة التي استمتعنا بها. هذا الأمر هو فقط جزء من سلسلة من الأوهام التي يخدعنا بها دماغنا، فهو يُشبه مثلا الاعتقاد أن الأشياء السيئة من المرجح أن تحدث للآخرين أكثر مما تحدث لنا”.
كيف نتغلب على إكتئاب ما بعد العطلة
هناك بعض المماراسات و الخطوات التي لها فعالية في الوقاية أو حتى التقليل هذا الشعور السيئ مثل:

احمل معك تذكارات من وطنك حين سفرك.
تقول بعض الدراسات أن أخذ تذكارات من الوطن عند السفر قد يساعد في تخفيف الشعور بالتواجد في بيئة جديدة ومختلفة، وقد يفيد هذا في تسهيل عودتك للنظام الطبيعي حين تعود من رحلتك مثل بطانيتك أو وسادتك أو فنجان القهوة لتبث شعور الألفة على عقلك الباطن.
عند عودتك لبلدك ضع في مجال رؤيتك اليومية تذكار من العطلة
التي عدت منها مثل صورة عائلية المفضلة أو بعض الأشياء الأخرى كا تذكار أو كوب قهوة يعزز اللحظات الممتعية التي عشتها في إجازتك لكي تسهل عملية العودة النفسية

اعرف ما ينتظرك عند العودة
يكمن جزء من إزعاج العودة للعمل بالنسبة للعديد من الناس في التوتر الذي يعود بعد العطلة، لكن إحدى طرق تقليلاً للتوتر عند العودة تواصل مع أحد زملاء العمل قبل العودة إليه بيوم ولا يومين حتى لا تتفاجأ بأي تطورات
رغم أن من الجيد البقاء على تواصل مع زملاء العمل لكن لا يجب أن تقلق حيال ما يحدث به طيلة فترة سفرك.
إبدأ بالتخطيط لعطلتك التالية وإختار مكان تحلم بزيارته أو تتوق له
، يمكن لوجود إجازة أخرى في الأفق أن يساعدك في التكيف على العودة إلى العمل أو الدراسة حتى لو كانت بعد فترة طويلة. ربما تكون العودة إلى النظام القديم مزعجة على الصعيد النفسي لكن معرفتك بوجود شيء ممتع بنفس القدر في المستقبل سينعش يومك ويمنحك ما تتطلع إليه.
رتب موعد إجازتك على الفور إذا أمكن. تحديدك لوقت العطلة التالية فعلًا يضمن لك وجود إجازة أخرى تتطلع للاستمتاع بها.
فكر في الأشياء الممتعة التي ستفعلها في رحلتك التالية متى وجدت نفسك محبطًا
حتى أنه يمكنك البحث فيما تود رؤيته وفعله في وقت فراغك القادم (لكن لا تفعل هذا في العمل وإلا فقد تقع في ورطة).
قد يهمكم الإطلاع على كيف تتم عمليات الاحتيال الالكتروني في المملكة والخليج
