منذ عرض الحلقة الأولى من مسلسل الإمام الشافعي الذي يختص بسرد قصة حياة الإمام المليئة بالأحداث المحورية في تاريخنا الإسلامي وويركز مسلسل رسالة الإمام على محمد بن إدريس الشافعي الذي يجسد دوره الممثل خالد النبوي وتدور أحداثه حول معاناة الإمام في رحلته لنشر رسالته التي عاصرت العصر العباسي ويتنقل المسلسل عبر الأماكن عاش فيها الإمام مثل بغداد والحجاز و يركز العمل بشكل خاص على سنواته الأخيرة التي قضاها في مصر حتى توفي عام 204 للهجرة، يجب على القارئ معرفة هذا التاريخ لما سيأتي لاحقاً من كوارث تأريخية،

قد سمعت قبل رمضان بأن مسلسل الإمام قادم وصراحةً كنت أنتظره بفارغ الصبر، وكانت أول التساؤلات التي راودتني هي عن كيف يمكن أن تجسد بلاغة وفصاحة وشعر ونطق الإمام وعلمه لأن كما يروى عنه تلاميذه الأئمة عن دروسه وحلاوة حديثه : “كانت ألفاظ الشافعي كأنها سكّر. وكنا إذا قعدنا حوله لا ندري كيف يتكلَّم، كأنّه سِحْر“، ولكن لم يحاول الصناع بجدية بل أخذوا الإمام وقصته كأداة وإستغلوا قامة الإمام والإجماع على رفعته، وكيف سيجسدوا علمه وقداته في المناظرة التي إشتهر بها حيث كان يقال “لو ناظر الشافعي الشيطان لقطّعه وجدّله“. وأيضاً من دلالت نبوغه وعلمه في اللغة وحفظ الشعر تأليفه قال الأصمعيّ، الإمامُ العلامة راوية العرب: صححتُ أشعار الهُذليين على شابٍّ من قريش بمكة يُقال له: محمد بن إدريس الشافعي. ومعروفة هذيل ببلاغتهم نبغ فيها من الشعراء لأكثر من سبعون شاعر.

يدور الجدل

الإمام الشافعي ثالث الأئمة الأربعة ومؤسس علم أصول الفقه، أحد أهم علماء التابعين وأبرزهم عبر تاريخ الأمة الإسلامية، ويعتبر أحد أهم علماء الفقه والتفسير وأبلغهم وأفصحهم وبل لازالت أشعاره يتم الإستشهاد بها الى يومنا هذا، لما تحمله من حكمة وتصوير فريد وأوصاف متقنة،

نعلم بأن أصعب المعالاجات الدرامية هي تلك التي تتناول سير ذاتية للشخصيات التاريخية والقومية التي نحيطها بالتبجيل والإحترام ونستحضر مقولاتها إستشهاداً ، ولكن هذه الصعوبة تنبثق من أهمية الحقبة والشخصيات التاريخية التي يتم معالجتها وتجسيدها درامياً على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة، كما رأينا

مسلسل عمر أحد أكثر المسلسلات إمتاعاً و صدقاُ ودقة تاريخية، وهو يتكلم عن حقبة وشخصيات حساساة للإسلام والمسلمين كالرسول صحابته، ولكن الكاتب والمخرج نظروا للعمل بثقل المسؤولية التي يستحقها، وإستطاعوا صناعة عمل درامي خالد يشعل فتيل كل المشاعر، وكما هو الامر مع مسلسل الإمام الذي يحكي قصة الإمام أحمد من حنبل المسلسل الذي أدى فيه الممثل الأردني عاكف نجم دور الإمام بإتقان صوتاً وبلاغة ولغة جسد،

مغالطات تقيك منها أبسط بحث

الواضح من بعض مشاهد الحلقات الأولى بحيث أن المسلسل لازال يُعرض في رمضان ولكن تكفينا الأخطاء التي تمثل كوارث تاريخية، تتعدى التحوير الدرامي الخفيف التي تحتاجه أي قصة واقعية، لكن دخلنا أظن بأنه الوسف الأصح هو التدليس التاريخي و تحوير الأحداث والشخصيات لبث رسائل معاصرة مبطنة ولكنها رائحة أصبج المشاهد يتبينها، لذلك لن تسير بباطنيتها

دعونا نأخذ مشهد حوار الإمام الشافعي مع الخليفة المأمون في بغداد عام 189 هجري، لنتغاضى عن ركاكة اللفة واللفظ و إنعدام واقعيته، المضحك هو أن اللقاء في الأصل لم يحدث حيث أن الخليفة المأمون لم يدخل بغداد الى بعد موت الشافعي بما يزيد عن عشر سنين، والإمام لم يقابله قط

ومن الأمثلة على هذه المغالطات التي بينها أحد الباحثين في اللغة العربية أشرف حسن ضمن مشهد حوار في قصر الخليفة العباسي الذي يفترض أن يكون المأمون، مع الإمام الشافعي سنة 198 هجريًا ويتكلمان فيه عن “خلق القرآن”.

وبيّن الباحث حقائق أبرزها أن الخليفة المأمون دخل بغداد سنة 204 هجريا، وأنه اعتنق القول بـ”خلق القرآن” سنة 212 هجريًا، وأن الإمام الشافعي توفي سنة 204 هجريًا في مصر، ولم يقابل المأمون.

وأكد باحثين وتخصصين في التاريخ الإسلامي إلى المصائب المتاراكمة التي وجدوها في تناول سيرة الإمام المغلوطة هذه، فضلًا عن تقديم الإمام للجيل الجديد بلسان يجمع بين العربية والعامية المصرية في حين كان الشافعي ناطقًا بالفصحى وأبلغ العلماء وأفصحهم لساناً حينها.

بيّن باحثين ومختصيين منهم أستاذ التاريخ القديم، محمود سالم الجندي بأن لغة المصريين في زمن الإمام الشافعي، أنه كان في مصر مجموعتين من اللغات لا ثالث لهما ليس بينها ما يعرف اليوم (باللهجة أو العامية المصرية).

وإستمر الناس في مصر لا يتكلمون إلا الفصحى أو اليونانية واللاتينية أو بقايا لغات ولهجات مصرية قديمة لما بعد موت الإمام الشافعي، أما العامية المصرية فلم تبدأ في الظهور والانتشار إلا بعد فترة طويلة من الفتح الإسلامي لمصرأي عام 400 هجريًا أي بعد وفاة الشافعي بـ 200 عام.

وأيضاً بين المشاهد التي أثارت الجدل، كان لجوء الشافعي إلى راهب للحصول منه على دواء لزوجته، رغم أنه من المعروف أن الإمام كان يعلم بأمور الطب. والذي كان

ردود الأفعال الساخرة المغالطات الصادمة

علق الشاعر المعاصر حذيفة العرجي عبر حسابه على تويتر على مقطع فيديو يظهر فيه الإمام والذي يجسد دوره النجم خالد النبوي وهو يلقي شعرا ضمن مشهد خافت الأضواء يريد المخرج أن تحرك مشاعرنا بلاغة شعر الشافعي ولكن الطامة هي أن الشعر تم تأليفه من عشر سنوات فقط ، كما قال الشاعر العرجي “يُرسل بعض الأحبة القراء رسائل بمقطع للمثل خالد النبوي وهو يتغنى ببيتين لي من أوائل ما كتبت قبل عشر سنوات، وذلك على أنها للشافعي رحمه الله”وتسائل الشاعر عن هذه الغلطة الكبيرة.

الإمام الشافعي

سؤالي للكاتب والمخرج والمدقق ألم تتصفحوا ديوان الشافعي ولو لمرة واحد الذي يحمل في طياته عشرات الأبيات والحكم والصور البلاغية العظيمة، أم كان بحثكم يقتصر على الدراما المبتذلة لتخرجوا بحكمة وأبيات لا تتعدى ورسائل الواتس والمحاضرات التنمية البشرية ذات المصطلحات المباشرة منعدمة الوصف والتصوير والتي المليئة بالمصطلحات البسيطة.

ومع تأكيد مؤلف المسلسل في تصريحات بأن النص خضع للتدقيق التاريخي والفقهي من الأزهر الشريف، فضلًا عن الاستعانة بمئات المراجع والكتب والأبحاث، فيما اعتبره البعض بداية قوية لعودة الدراما الدينية التاريخية، ولكن المُخرج النهائي يوحي بذلك.

ومن يرمي بأن الدراما هدفها تجييش مشاعر والدخول لعقول الناس على إختلاف مستويات تفكيرهم، وأنه مسلسل رمضاني سيدخل ملايين البيوت فيجب أن يحابي لبساطتهم وعاميتهم، وكأن التاريخ فقير من القصص الدرامية والتحولات العظيمة والشخصيات المركبة التي يسهل التعلق بها، وكأن تاريخنا مستحدث يجب أن نغيره ونضحده ونشوهه لكي بستصيغها المشاهد المعاصر، وجهة نظر مغلوطة تماماً بدليل نجاح مسلسل عمر والإمام وغيرهم من الإعمال الإحترافية التي لازلنا نستمتع بمشاهدتها حتى اليوم وتدفعنا وتذكرنا التاريخ الحقيقي لا المزيف.

لا تأخذوا التاريخ وأحداثه من المسلسلات والأعمال الدرامية التي يتم إنتاجها اليوم، لعدم إتيباعها لأسس علمية في السرد أو إحترافية في مراحل ما قبل الإنتاج فيما يخص النص، أو على الأقل الإستعانة بمدقق كفؤا بخلفية مناسبة تمكنه من معرفة المغالطات، لذلك يجب أن نكون واعين يمدى أهمية تبيين حجم الكارثية ومغلوطية التاريخ الذي يسرده أمثال صناع مسلسل رسالة الإمام والتشكيك في أقاويله المنسوبةللإمام الشافعي والخوف والخشية من أن يخلط المتابعون وخاصة الشباب بين الأقوال الصحيحة وبين العبارات من الحوار الدرامي لا تمت بصلة للإمام الشافعي.

ومن يريد يرى بنفسه فن يعرض حاليا مسلسل «رسالة الإمام» عبر قنوات dmc في تمام الساعة 10 مساء

قد يهمكم الإطلاع على رسميًا: فيلم أفاتار 2 على منصات البث بدءًا من 5 أبريل

المحتوى ذي الصلة